الأخبار العربية

ماذا يعني حظر الأسد وزوجته في اليوم الأول لتطبيق “قانون قيصر”؟

دشنت الولايات المتحدة الأميركية مرحلة تطبيقها لقانون قيصر في سورية اليوم بفرض عقوبات على 39 شخصا على رأسهم الرئيس بشار الأسد وزوجته السيدة أسماء الأخرس، وهدد مايك بومبيو، وزير الخارجية، بأن عقوبات أخرى أشد قسوة في الطريق، ربما تشمل المصرف المركزي السوري وكيانات وشخصيات أخرى.

العالم مقالات وتحليلات

المحاججة لإثبات عدم شرعية هذا القانون، وإظهار الأدلة بأن الشعب السوري الذي تعيش الغالبية الساحقة منه تحت خط الفقر هي الأكثر تضررا، لا تفيد أيضا، مثلما لم تفد في السابق، وقبل ثلاثين عاما عندما جرى فرض عقوبات مماثلة على الشعب العراقي، أدت إلى الغزو والاحتلال واستشهاد أكثر من مليونين من أبنائه وأطفاله.

الإدارة الأميركية تفرض مثل هذه العقوبات لإذلال الشعوب، ومضاعفة معاناتها، على أمل أن تثور ضد أنظمة الحكم المستهدفة، وإسقاطها بالتالي، ولكن هذه النظرية ثبت فشلها في كل الأماكن والبلدان التي جرى تطبيقها فيها، ويحضرنا هنا مثلان، الأول العراق، والثاني، قطاع غزة، فالجوع لم يدفع الشعب العراقي للثورة ضد النظام، بل ضد الاحتلال الأميركي لاحقا، أما في قطاع غزة فأعطت عملية التجويع التي وصلت إلى درجة إحصاء الوحدات الحرارية، إلى نتائج عكسية أبرزها زيادة قوة المقاومة وتصاعدها، وتطوير قدراتها الردعية بما يؤدي إلى ضرب مدن وأهداف اقتصادية وشل الحياة اليومية في قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة.

***

لا نعرف ما هي خطط السلطات السورية لمواجهة هذا القانون، وتقليص أخطاره، إن لم يكن منعها، ولكننا إذا استخدمنا “القياس” وهو المعيار الذي استخدمه أجدادنا العرب بفاعلية عالية، فإن ما ورد في خطاب السيد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله” يتضمن الكثير من المؤشرات، والرؤى، في هذا الميدان.

هذا الخطاب الذي أدلى به السيد نصر الله مساء أمس الثلاثاء كان في تقديرنا، وبلا مبالغة، الأخطر، والأكثر أهمية، ليس لأنه انطوى على لهجة “هجومية” غابت عن معظم الخطابات السابقة، خاصة الشق الأخير منه المتعلق بقانون قيصر، وسلاح المقاومة، وإنما أيضا لأنه كشف عن “الخطة ب” التي يمكن أن تتضمن ردودا على هذا القانون الذي لا يستهدف سورية فقط، وإنما لبنان أيضا.

السيد نصر الله قال بالحرف الواحد “المراهنون على جوعنا نقول لهم لن نجوع، ولن نسمح أن يجوع لبنان، ولن نستسلم للأميركيين، ولن نخضع لهم تحت ضغط التجويع، ومن ينتظر تأليب بيئة المقاومة عليها سيفشل وعليه أن ييأس”، وأضاف وهنا المهم “إذا أرادوا أن يوصلوننا إلى معادلة الخبز مقابل سلاح المقاومة، سيكون لنا معادلة لن نكشف عنها الآن”، وأوضح أكثر “من سيضعنا بين خيار القتل بالسلاح أو الجوع سيبقى سلاحنا في أيدينا ونحن سنقتله”.

هناك عدة نقاط يمكن استخلاصها من بين سطور ما تقدم، وحالة الغضب التي ارتسمت على وجه السيد نصر الله وتوحي بالكثير بالنسبة إلينا، نحن الذين تابعنا معظم خطابات السيد، إن لم يكن كلها:

أولا: وجود خطة رد متكاملة لدى السيد نصر الله على عمليات التجويع هذه للمواطنين السوريين واللبنانيين تضع الدبلوماسية جانبا، وتعود إلى نهج المقاومة الذي أدى إلى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ربما ما قصده عندما قال “لنا معادلة لن نكشف عنها الآن”.

ثانيا: من غير المستبعد توسيع دائرة الرد الانتقامي وضرب أهداف أميركية وإسرائيلية خارج الحدود اللبنانية والإسرائيلية، وربما في أوروبا، وأجزاء أخرى في العالم، فإذا كانت العقوبة هي الوضع على قوائم الإرهاب، فإن حزب الله والنظام السوري يتربعان على هذه القوائم حاليا، مثلما كشفت لنا أحد المصادر اللبنانية المقربة.

ثالثا: انتقال محور المقاومة وأذرعه من الدفاع إلى الهجوم، واعتماد استراتيجية “الفوضى البناءة” في المنطقة بأسرها، فطالما، أن سياسة ضبط النفس، والجنوح للسلم، والحفاظ على الأمن والاستقرار، في لبنان خاصة، ستؤدي إلى التجويع من أجل التركيع، فإن هذا الخيار موضع دراسة معمقة حاليا، ولن يكون مفاجئا إذا ما تقدم على جميع الخيارات الأخرى.

رابعا: عندما يؤكد السيد نصر الله أن الذين وقفوا مع سورية في جبهات القتال طوال السنوات التسع الماضية لن يسمحوا بسقوطها بسلاح العقوبات، ولن يتخلوا عنها، فهذا يعني أن الرد على قانون قيصر سيكون جماعيا، وليس فرديا، أي أنه لن يكون من مهام السلطات السورية فقط.

***

ما نريد أن نستخلصه من هذه النقاط الأربع وغيرها أن السيد نصر الله وحلفاءه في محور المقاومة لن يسمحوا بتطبيق السيناريو العراقي التجويعي على سورية ولبنان، أي نزع السلاح مقابل رفع العقوبات، لأن هذا المحور يدرك جيدا أن الوعود الأميركية كاذبةٌ ولا يمكن الثقة بها، فبمجرد نزع أسلحة العراق وليبيا الكيماوية والبيولوجية، والتأكيد من خلوهما بالكامل منها، جاءت مرحلة الغزو وتغيير النظامين وانهيار الدولتين، وانتشار الفوضى.

قانون قيصر الذي بدأ تطبيقه اليوم قد يعطي نتائج عكسية، ولن يتم الانتظار لتجويع الشعبين السوري واللبناني ورضوخ حكومتيهما للشروط الأميركية، وسلاح المقاومة قد يكون الأداة الأقوى لإفشاله وهزيمة الذين يقفون خلفه في العلن أو السر.. والأيام بيننا.

* عبد الباري عطوان

المصدر : قناة العالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock