الأخبار العربية

الأسير المجاهد رائد السعدي يهزم قاضي الاحتلال

صدر قبل عدة أشهر كتاب “أمي مريم الفلسطينية” (إصدار مؤسسة مهجة القدس) للأسير المجاهد القائد رائد السعدي، عميد أسرى محافظة جنين، وعميد أسرى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

العالم -فلسطين

كلن المجاهد رائد شريف السعدي قد اعتقل في يوم 28 آب/أغسطس 1989، خلال الانتفاضة التي عمّت فلسطين المحتلة. وأصدرت محاكم الاحتلال بحقه حكما بالسجن المؤبد، ثم أضافت مؤبد ثاني كما يقول والده أبو عماد: “كان الحكم مؤبدا واحدا بحق رائد، لكن تحوّل لمؤبدين بعدما قال رائد للقاضي: أنا من عليه أن يقاضيك لأنك محتل لأرضي وبلدي”.

ولد الأسير السعدي في العام 1966 في بلدة سيلة الحارثية في محافظة جنين، بالضفة الغربية المحتلة، في بيت وطني ومناضل، حيث كان أبوه معلما للرياضيات، فأبعدته سلطات الاحتلال عن التعليم وإخرجته للتقاعد بسبب مواقفه الوطنية.

في كتابه، يسرد الأسير بعض ذكرياته في أول مرحلة من حياته، حيث تمَّ اعتقاله لمدة سبعة أشهر في العام 1982 عندما شارك في المظاهرات الرافضة للاحتلال ورفع الأعلام الفلسطينية وإلقاء الحجارة. فخرج من السجن “أكثر وعيا لقضيتي وتوجهي الوطني والسياسي”. ثم التحق بالثورة الفلسطينية في الأردن، للدفاع عن المخيمات في لبنان، خلال “حرب المخيمات”، لكنه عاد الى الضفة الغربية وبدأ مشواره الجهادي ضد قوات الاحتلال وضد المتعاونين معه، وذلك قبل اندلاع الانتفاضة عام 1987.

“أنني كنت وما زلت إنسانا”

بعد 33 عاما في سجون العدو، إذ لم يتم إطلاق سراحه لا في الدفعة الرابعة من الاسرى القدامى (قبل اتفاقيات أوسلو) ولا في “صفقة الأحرار” عام 2011.

كتب الاسير المجاهد رائد السعدي في مقدمة كتابه أنه كان وما زال إنسانا، “أضحك وأبكي وأغضب وأخطئ.. وأتفاعل مع الأحداث بحلوها ومرها”.

هكذا يتحدى الأسير السعدي وينتصر على السجان الصهيوني الذي حاول وما زال يحاول قتل إنسانية الأسرى، ويجعلهم لا يفكرون إلا بحياتهم المادية والآنية، ويتأقلمون مع ظروف اعتقالهم اللاإنسانية.

يريد العدو التحكّم بكل شيء في حياتهم، وحتى بأحلامهم وأمنياتهم ومشاعرهم، ويسلخهم عن شعبهم وقضيتهم. لكن يبرهن الأسير في كتابه، من خلال مسيرته الجهادية، في السجن وقبلها خارج السجن، أنه إنساني “للعظم”، يتفاعل مع كل أمور شعبه وأمور أخوانه في الأسر، ومع عائلاته وعائلات أخوانه الأسرى، ويتابع الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد ويتفاعل معها.

لولا هذه الانسانية العالية التي يتمتع بها الأسير، لما ذكر بعض الأخطاء التي ارتكبها قديما ولا مشاعره الحالية إزاءها، ولما التحق بالثورة الفلسطينية باكرا للدفاع عن شعبه المظلوم، ولما شارك بالانتفاضة ضد الاحتلال، بعد سماعه قصص أبطال بلدته سيلة الحارثية، ولما قاوم المحتل بكل ما يملك عندما رأى ارتقاء الشهداء، شبابا وأطفالا، حوله، قتلهم جيش العدو بدم بارد. انتصر الأسير السعدي على السجان بصبره وإرادته لأنه حافظ على انسانيته، كمجاهد فلسطيني يحب شعبه ووطنه ويقاوم من أجل حريته.

انتصر الأسير أيضا بعدما كتب هذه السيرة المفعمة بالحياة، حيث أن إصدار كل كتاب أو مقال او قصيدة من داخل سجون العدو يعتبر انتصارا للأسرى وهزيمة للعدو، بسبب كافة التدابير والإعاقات التي يضعها السجان لمنع التواصل مع العالم الخارجي ومنع الأسير من مواصلة علمه والتسجيل في الجامعات الفلسطينية، أو حتى الصهيونية أحيانا، ومحاربة تسويق وقراءة كتبه، كما كان الحال مع كتب الأسير وليد وقة. لم يكتف الأسير المجاهد السعدي بتأليف كتابه في السجن، بل سرد كيف يتحدى الأسرى السجان للتواصل مع أصدقائهم وعائلاتهم، من خلال الهواتف المهرّبة، حيث يكشف أنه تواصل مع أسرى محررين أحيانا لمتابعة صحة والدة أسير، على سبيل المثال.

سيلة الحارثية “قلعة الجهاد والفدائيين” (الشيخ خضر عدنان)

انتصر الأسير المجاهد رائد السعدي على العدو وسجونه لأنه، كأحد أبطال بلدته سيلة الحارثية، الى جانب الأسيرين أنس جرادات (المحكوم ب35 مؤبدا و35 عاما) وسامي جرادات (المحكوم ب23 مؤبدا و50 عاما)، والشهيد راغب جرادات، تمثل مسيرته الجهادية عنوان المقاومة والصمود والتعاون بين أهلها، وذكريات لا تنسى ولا يجب أن تنسى، لأهل هذه البلدة التي ما زالت تقدّم المقاومين والشهداء والأسرى.

لم يكتب الأسير رائد السعدي إلا عن بعض ما عايشه خلال الانتفاضة، ويقول: “كان لي الشرف أن شاركت بكل الفعاليات والمواجهات ضد قوات الاحتلال حينها”، لكن تدلّ هذه اللقطات السريعة، قبل اعتقاله، كيف كانت أجواء البلدات والقرى الفلسطينية حينها، حيث تفتح الناس بيوتها للمطاردين، وتساعدهم على الاختفاء والهروب، وتشارك النساء بالمواجهات مع قوات العدو عندما كانت تجتاح البلدة وتطارد شبابها.

يذكر الأسير “الحاجة أم قاسم أو أم صابر جرادات، هذه الحاجة هي “مريم الفلسطينية” التي لم تكتف بتشجيع الشباب على الصمود والمواجهة، بل كانت تشاركنا بإلقاء الحجارة، بالإضافة الى أنها كانت تجمع لنا الحجارة في طرف ثوبها… وكيف لا وهي مريم الفلسطينية التي كان أربعة من أبنائها في تلك المواجهات مطلوبين للأجهزة الأمنية، مع أحفاد آخرين لها، وبعدها بأيام، تم هدم ما تبقى من منزلهم..”

انتصر الاسير رائد السعدي على السجان عندما استطاع، بكتابه عن الأم الفلسطينية، وهي “مريم الفلسطينية” التذكير بتاريخ هذه البلدة المجاهدة التي أنجبت الأبطال والمجاهدين والاستشهاديين، والتي ما زالت تتحدى الاحتلال، رغم القتل وهدم المنازل والاعتقال الذي يلاحق أبناءها. تمثلت آخر حلقة من مقاومة أبنائها بعملية حومش في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وقد تم اعتقال عمر وغيث جرادات، المتهمين بتنفيذ العملية وقتل مستوطن، واتخذ العدو القرار بهدم أربعة منازل للعائلة، انتقاما منها ومن البلدة المجاهدة، وظنا منه أن الهدم والاعتقال سيلجم المقاومة ويقتل روح أهلها، ولكن هبّ شباب المنطقة دفاعا عن بيوت الأسرى المجاهدين في مساء 9/2، ليسطروا ملحمة جديدة ويواصلوا مسيرة أهلها الأبطال.

في الجزء الثاني من كتابه، يروي الأسير المجاهد رائد السعدي حكايات أمهات الأسرى، مريميات فلسطين، التي تعرّف عليهن أوقات الزيارات أو من خلال أحاديث أخوانه في الأسر.

“مريم الفلسطينية” هي أولا والدته، الحاجة أم عماد، التي انتظرت عودته من الدكان لتتناول الطعام معه، حيث كان مطاردا. ولكن، وكما يسرد الواقعة، اقتحمت قوة صهيونية الدكان واعتقلته، وأخذته بعيدا عن منزله في يوم 28 آب/ أغسطس 1989. لم يتناول الطعام معها منذ ذلك الحين، فقد توفّيت وهي تنتظر عودته، في العام 2014.

لقد عانى كثير من الأسرى من قصص مماثلة، كالأسير سامرالذي ذهب لإحضار كيس طحين ولم يعد الى البيت إلا بعد 26 عاما في الأسر، وهو ابن الحاجة يسرى التي تبنّت عددا من أسرى الدوريات، وكانت تزورهم بانتظام وتبث الأمل في قلوبهم. لكن تم إعادة اعتقال سامر بعد قضاءه فترة قصيرة مع عائلته. المريميات الفلسطينية هنّ أمهات الأسرى والجرحى والشهداء وصاحبات البيوت المهدّمة، كالحاجة مريم عويس، من مخيم جنين، وأم بكر بلال، حيث بدأت المعاناة في حياتها يوم تم اعتقال زوجها، وما زال أولادها الأربعة في سجون العدو، والحاجة مريم، والدة أسيرين، التي توفيت من القهر والمرض، بعد منعها من زيارة ابنها، إلا أذا طلب الأسير “الاسترحام” من الطاغية، فرفضت وقالت لابنها الأسير: “باغضب عليك إن فعلت ذلك”.

من خلال سرده بعض قصص مريميات فلسطين، يواصل الأسير المجاهد رائد السعدي الكشف عن إنسانية هذه العائلات المجاهدة التي تقدّم أبناءها، من جيل الى جيل، من أجل حرية الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة. تختلف أوضاع الأسرى الذي التقى بهم في سجون العدو، على مدى 33 عاما، وتختلف مسيرتهم النضالية، منهم من اعتقل قبل اتفاقيات أوسلو، ومنهم من أعيد اعتقاله بعد انتفاضة الأقصى أو بعد صفقة الأحرار، لكن لكل أسير قصة وعائلة وحياة خاصة وأصدقاء، لأن العدو لم ينجح ولن ينجح بجعلهم أرقاما.

بقلم: راغدة عسيران – وكالة القدس للانباء

المصدر : قناة العالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock