الأخبار العربية

من النكبة إلى القدس.. فلسطين ومسؤوليات التحرير

رغم جميع المؤامرات التي جرت لتفتيت دول المنطقة، الا ان دمشق، ومعها بيروت الضاحية وبغداد وطهران، أخذت على عاتقها مسؤولية متابعة الصراع مع “إسرائيل” ومن يقف خلفها حتى إنجاز عملية التحرير كاملةً وبناء نظام إقليمي مبني على التعاون بين شعوبه، وخالٍ من مشاريع الهيمنة.

– الأخبار الشرق الأوسط –

أحمد الدرزي

لم تبدأ قضية فلسطين إلا بعد نكبة حرب العام 1948، ولكنّها تعود بجذورها بعيداً، حين ظهرت أولى ملامحها مع نابليون بونابرت، الذي حاول العمل على مشروع إقامة كيان جامع لليهود في نقطة الوصل بين البرّين الآسيوي والأفريقي في العام 1798 بعد احتلاله مصر، وحاول التمدد باتجاه بلاد الشام، فأدركت القوى الغربية المتتابعة في السيطرة على العالم أهمية السيطرة والتحكم بالممرات البرية والبحرية، لمنع أية قوة من القوى التي سيطرت على تاريخ حركة نشوء الإمبراطوريات من العودة إلى المسرح العالمي، فكان لا بد من وضع الأسس المانعة لها.

ولَم تكن فلسطين سوى جزء أساسي من مشروع هذه القوى، والذي تبلور بتطور النظام الرأسمالي وسيطرته على مقدرات العالم، وتحول في ما بعد إلى النسخة الأخيرة المتمثلة بالليبرالية الحديثة التي عبّرت عن نفسها بالرأسمالية المتوحّشة.

ومن هذا الجانب، أصبحت القضية الفلسطينية العنوان الأساس للصراع مع المشروع الغربي، وعنواناً لنهاية نظام الهيمنة والنهب العالمي. ومن هنا تتوزع سويات المسؤولية عن التحرير والقضاء على الكيان الوظيفي.

 تمثل المسؤولية السورية رأس الواجبات في المشروع التحريري، وينطلق هذا الأمر استناداً إلى مفهوم سوريا الكبرى أو سوريا الطبيعية، التي تختزل مفهوم بلاد الشام التاريخي، والتي تبدأ حدودها الجغرافية من رفح أو العريش، وفق ما عبّر عنه الجغرافي الإدريسي، فتكون فلسطين الجزء الجنوبي المحتل من سوريا.

وهنا تتدرج المسؤوليات، حيث يمثل الفلسطينيون رأس الحربة في العمل المقاوم، باعتبارهم الضحية المباشرة لاغتصاب أرضهم وتهجيرهم. وبالسوية نفسها، تكون دمشق موقع القرار المقاوم وإرادة التحرير، وعليها مسؤولية القيادة.

ولا يخرج الأردن ولبنان من هذا الإطار، لكونهما جزءاً أساسياً من سوريا الكبرى، ولا يخرج العراق منه، وهو العمق والامتداد الطبيعي لسوريا، التي هي أيضاً امتداده الطبيعي ورئته المطلة على البحر المتوسط.

تقع المسؤولية الثانية على مصر وادي النيل، التي اكتشفت منذ فجر التاريخ أن نهضتها وقدرتها لا يمكن أن تكون بخير إلا بالتمدد شمالاً إلى بلاد الشام عبر فلسطين، كما اكتشفت منذ عهد الهكسوس أن تهديدات أمنها القومي تأتي من الشمال عبر فلسطين، فتعرضت للتحجيم بعد صناعة الكيان الصهيوني.

 ورغم خروجها من الصراع إثر دخولها في اتفاقيات كامب ديڤيد، فإن أمنها القومي ازداد تدهوراً، ليصل إلى مرحلة تهديدها بالحياة المائية بعد البدء ببناء سد النهضة الإثيوبي بدفع من “إسرائيل” والولايات المتحدة، وهي إذا لم تعد إلى السياق التاريخي الطبيعي، من خلال العمل على إزالة هذا التهديد المستمر، والتخلص من كل الاتفاقيات، وإعادة التموضع السياسي، فإن بقاءها بذاتها سيتحول إلى موضع تساؤل.

ويُعتبر المستوى العربي من حيث الفعل العمق التاريخي لكل من دمشق وبغداد والقاهرة، ويرتبط بها بوشائج القرابة والثقافة، وهو متضررٌ بشدة من الفصل الجغرافي بين شمال أفريقيا وغرب آسيا، ويتعرض لكل مخاطر التهديد المتولدة عن هذا الكيان الذي تدخل في بنيته السياسية والاجتماعية، وما زال يساهم في عملية التدمير الداخلي، عبر حروب الجيل الرابع المتنقلة بين بلدانهم التي خضعت للتقسيم خدمة لنجاح هذا الكيان.

أما عن المستوى الديني ببعديه الإسلامي والمسيحي، فيرتبط بطبيعة الثقافة الدينية التي تنظر إلى المسألة الفلسطينية من زاوية الظلم الذي تعرض له أهلها، والواجب الشرعي والأخلاقي لإعادة الحقوق لأهلها، إضافة إلى الجانب التراثي المقدس في عقل المؤمنين، وما تعنيه القدس بشكل خاص وفلسطين بشكل عام.

وقد تبلور هذا الاتجاه بتيار لاهوت التحرير في أميركا الجنوبية، ومن ثم المطران إيلاريون كبوجي، والبابا شنودة، والمطران عطاالله حنا حديثاً. وفي الجانب الإسلامي، تبلور مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وأثرها في ولادة حركات المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، وخصوصاً بعد انكفاء حركات المقاومة الوطنية لأسباب ذاتية وموضوعية.

والمستوى الأخير هو المستوى الإنساني ببعده التحرري، حيث تجتمع مواقف كل الذين يخوضون الصراع بكل أشكاله ضد نظام الهيمنة العالمي المسيطر على مقدرات الشعوب، والذي يعمل على استمرار عملية النهب ومنع نهضة الشعوب واستقلالها.

 ويعتبر هؤلاء أن إزاحة هذا الكيان عن الوجود بمثابة إسقاط فعلي للنظام العالمي، وهو ما يفسر التقاء يساريي العالم في ما سبق مع المقاومة الفلسطينية والشراكة معها بالعمل العسكري المسلح، وانتقل هذا الاصطفاف إلى القوى السياسية التي استطاعت السيطرة على مقاليد الحكم في أميركا الجنوبية، قبل أن تنجح الولايات المتحدة بالانقلاب عليها، ووضعها في السجون والمنافي.

رغم تحديد هذه المسؤوليات من حيث الأولوية، فإن واقع الحال لا يشير إليها بالتحقق. وعلى العكس من ذلك، فقد تصدر المستوى الديني مشهد المقاومة منذ العام 1979 متداخلاً مع العامل الوطني السوري، وبدا الانقسام جليّاً حول الموقف من القضية الفلسطينية، فمصر المهددة دائماً بأمنها القومي من الشمال تخلت عن دورها، وأدخلت التهديد إلى عقر دارها، إضافة إلى البعد العربي، فأصبح في موقع الحليف لـ”إسرائيل” منذ رحيل جمال عبدالناصر وإضاعة مصر لدورها الرافع للمنطقة العربية وأفريقيا.

ولَم تسلم البلدان التي لم تتخلَّ عن فلسطين من الانقسام الداخلي حول هذا الأمر، سواء في لبنان وفلسطين، ولَم يسلم السوريون من هذا الخلل، إذ استطاعت “إسرائيل” العبث بقسم من المكونات السورية، في ظاهرة تحدث لأول مرة مع الحرب الدولية على سوريا، واستقطبت بشكل ظاهر مجموعات مسلحة في الجنوب السوري وفِي بقية المناطق، اختراقاً وتجنيداً لعملاء على أغلب المستويات.

 ورغم ذلك، فإن دمشق، ومعها بيروت الضاحية وبغداد وطهران، أخذت على عاتقها مسؤولية متابعة الصراع مع “إسرائيل” ومن يقف خلفها حتى إنجاز عملية التحرير كاملةً وبناء نظام إقليمي مبني على التعاون بين شعوبه، وخالٍ من مشاريع الهيمنة.

المصدر: الميادين

/انتهى/

المصدر : وكالة تسنيم للأنباء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock