الأخبار العالمية

“محسن ممتاز”.. الحنين إلى شخصيَّة الاختراق الاستخباراتيّ

  • “محسن ممتاز”.. الحنين إلى شخصيَّة الاختراق الاستخباراتيّ

ماذا لو قررت السينما العربية إنتاج عمل جديد عن رفعت الجمال أو جزء محدّث من “رأفت الهجان”، هل توجد طريق سهلة إلى دموع مماثلة؟

لو سألنا اليوم: ما الصورة الذهنية المتشكّلة في رأس المواطن العربي عن المهمّات الاستخباراتية الرسمية؟ لكانت أوضح ملامحها غارقة في الأدرينالين. إنَّه الخوف.

إنها الصورة المركّبة من مخاوف انتهاك الخصوصيات، وافتعال الإشكاليات للمناضلين والنخب الثقافية، ومطاردتهم في وظائفهم ومصادر أرزاقهم، وصولاً إلى التعذيب والتهديد بتخريب حياتهم وتشويهها.

ثمة علاقة وطيدة بين تعزيز هذه الصورة عند المواطن العربي من جهة، ونمو مسار المصالحات مع العدو الصهيوني، وارتداد عمل هذه الأجهزة إلى الداخل، أو انخراطها في مشاريع متواطئة مع العدو، بدلاً من محاولات اختراقه وتدميره من جهة أخرى.

ما سر الحنين لمسلسل “رأفت الهجان”؟

بعد 30 عاماً، المسلسل مازال حاضراً. بإشارة بسيطة في البحث في محركات البحث المختلفة، تستطيع أن تشاهد عدد كبير من الفيديوهات لهذا المسلسل. 

هذا الحنين إلى هذه الأعمال الدرامية يدلل على الحضور الوجداني الشامل الذي يقع في جذره الأساسي العداء الكبير للعدو الاسرائيلي. وهذا الوجدان شامل لا يمكن تجزأته، هو وجدان ثقافي سياسي اقتصادي عسكري اجتماعي استخباراتي.

هذا الوجدان غير قابل للتجزئة، وهو الوجدان نفسه الذي يدفع للنظر في رسومات ناجي العلي من وقت إلى آخر، هو الوجدان الذي يدفع أن تعلّق صورة للشهيد عماد مغنية، أو صورة للرئيس المصري جمال عبد الناصر على حائط البيت.

سمات ثقافة الزمن الجميل

إن النهضة التي عرفناها في تلك المرحلة في العالم العربي هي انعكاس ونتيجة لمشروع حركة التحرر في مصر وفي المنطقة العربية، وطبعاً في كل دول عدم الانحياز، ولب هذه المشروع هو الاعتماد على المجموعة الوطنية.

هذه المجموعة الوطنية ودور الدولة هي التي تنظر إلى كل المسائل، وبكل الاحوال ليس فقط عمل استخباراتي لرأفت الهجان، في مذكراته على سبيل المثال يكتب أنه عام 1965، ذهب إلى العراق أيام الوحدة الثلاثية كي يعمل على تسليح الوحدة الثلاثية، وذهب بنفسه.

لا يمكن أن نفصل جزء عن جزء، هذا المشروع المتكامل، وعلى ضوءه خرج مئات الأفلام والأعمال الفنية والمسرحيات والأغاني الشعبية التي تبحث في مجمل هذا المشروع من كل النواحي، فيلم الأرض على سبيل المثال.

من غطى ويغطي هذا الفراغ؟

من سد الفراغ العسكري هو محور المقاومة، وعلى نفس السكة إذا تحدثنا عن الجانب الاستخباراتي الاعلامي الدرامي.

كان سد الفراغ للمسلسلات وأعمال درامية مثل رأفت الهجان، أعمال درامية تحاكي البيئة الأمنية الحصينة لبيئة المقاومة في مجتمع جنوب لبنان، والنجاحات الاستخباراتية الكبيرة في اختراق البنية الاستخباراتية الاسرائيلية وما إلى ذلك.

ولو يكن سد الفراغ دراما فقط، بل كان عمل توثيقي واقعي بمعنى أن وثائقي بيت العنكبوت هو رد لهذا الفراغ، فيديو الإعلام الحربي لحزب الله هو سد لهذا الفراغ. 

 “رأفت الهجان” بنى صورة ذهنية عن واحدة من أهم الأجهزة الاستخباراتية

قبل أيام، غفت عينا الممثل المصري الشهير يوسف شعبان، ولم تغفُ معهما عينا “محسن ممتاز” في المسلسل المصري “رأفت الهجان”، وهو الدور الذي أدّاه شعبان تجسيداً لشخص عبد المحسن فائق، ضابط المخابرات المصري الذي اكتشف الموهبة التجسسية المصرية: رفعت الجمال “رأفت الهجان”، لتزرع في قلب “إسرائيل”، ويكون لها دور في حرب أكتوبر عام 1973.

عبد المحسن فائق، بالاسم الفني المستعار “محسن ممتاز”، وبتمثيل يوسف شعبان، هو واحد من ضباط المخابرات الذين عيَّنهم الرئيس جمال عبد الناصر لبناء الجهاز في إطار مهمات أمنية متعددة، تقف مهمة اختراق العدو الصهيوني على رأس أولوياتها.

وهو الذي تكفّل بتدريب رفعت الجمال (رأفت الهجان) في مراحله الأولى، إلى حين تسليم تلك المهمة إلى “ذئب المخابرات الأسمر” أو “رجل الظل” أو “قلب الأسد”، محمد نسيم، الذي جسد شخصيته في المسلسل باقتدار الممثل المصري نبيل الحلفاوي باسم “نديم”.

يُذكر لنبيل الحلفاوي أيضاً دوره في فيلم “الطريق إلى إيلات”، الذي انتقل فيه من دور القيادة المخابراتية في “رأفت الهجان” إلى دور القيادة العسكرية في سلاح البحرية، لتنفيذ عملية الضفادع البشرية وتدمير ميناء إيلات.

كان محمد نسيم العقل المدبّر لعملية “الحفار” أو ما سمي عملية “الحج”، والتي تمكَّنت خلالها المخابرات المصرية، بالاشتراك مع سلاح البحرية، من تدمير حفار البترول، كينتينج، في ساحل العاج، والذي كان في طريقه عبر باب المندب والبحر الأحمر إلى أيدي الإسرائيليين لغايات الاستخدام في خليج السويس. في تلك العملية، تمكّنت المخابرات المصرية من قطع الطريق على الإسرائيليين في استثمار المزيد من نتائج حرب 1967، وتدمير معنويات العرب في العبث بمواردهم.

محسن ممتاز ونديم، يوسف شعبان ونبيل الحلفاوي، عبد المحسن فائق ومحمد نسيم، ثنائيات تمثيلية فنية وحقيقية، تكثّف دور جهاز المخابرات المصرية في الصراع مع العدو من اللحظة الأولى لوصول الرئيس جمال عبد الناصر إلى الحكم إلى حرب الاستنزاف ومواجهة الموساد الإسرائيلي في كل محطة وكل مهمة، كزرع العيون المصرية، والتخطيط لعملية الهجوم على ميناء إيلات، والوصول إلى معلومات عسكرية حساسة بخصوص مواقع أمنية وصفقات سلاح وآليات توريدها وغيرها.

مسلسل “رأفت الهجان” بنى صورة ذهنية عن واحدة من أهم الأجهزة الاستخباراتية في محطة تاريخية مختلفة، وهي صورة تدور حول مهمَّة مركزية وأساسية، وهي مواجهة العدو، الأمر الذي خفض أدرينالين الخوف لصالح أدرينالين الدعم والفرح.

عندما تسير المهمات الاستخباراتية العربية على سكة العداء لـ”إسرائيل”، تتمكَّن من خطف مشاعر الناس ودعمهم ومؤازرتهم، وفق وتيرة مشابهة لوداع الجنود قبل التوجّه إلى ساحة المعركة. من خوف الناس إلى تأييدهم ومؤازرتهم، ليس هناك طريق بديل من سكة المواجهة والصراع.

عندما عرضت شخصية محسن ممتاز في مسلسل “رأفت الهجان” على الراحل يوسف شعبان، كان عبد المحسن فائق قد توفي، وكان يوسف شعبان يبحث عن ضابط مخابرات عايش فترة الصراع، ليتمكَّن أكثر من أدائه الفني ويؤدي الدور على أتم وجه. لقد كان بحاجة إلى المزيد من المعطيات والكلمات والروايات، وربما الدموع الحية، كي ينسجم أكثر في إطار العمل الفني.

يبقى السؤال: ماذا لو قررت السينما العربية إنتاج عمل جديد عن رفعت الجمال أو جزء محدث من “رأفت الهجان”، هل توجد طريق سهلة إلى دموع مماثلة؟

المصدر : الميادين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock