تقارير خاصة

نساء خلَّدهن القرآن

إذا ما لوحظت الآيات القرآنية نرى بأن فيها ما ركزت على ثلة من النساء اللاتي خلدهن القرآن بالذكر الحسن ، حيث كان لهن دور هام في أداء رسالة الإنسانية في تلك المجتمعات المستهلكة ، وقد وقفن بشجاعة وإيمان أمام التيارات الظالمة للشعوب ، فكان لهنّ الفضل في الدفاع عن حقوق الفكر والعقيدة والطهارة والكمال ، وربما كان دورهنّ أعظم من دور الكثير من الرجال ، بل كنّ رواد بناء العديد من رجالات التاريخ ، وقد صنعنَ تاريخ أممهنّ فكرمهنّ الله تعالى ، وكتب القرآن الكريم عن سيرتهنّ بأحرف من نور ، فأصبحن المثل الأعلى للرقي والكمال ، وسنذكرهنّ بالتسلسل التاريخي ، مشيرين بإيجاز كلمات عن سيرتهن:

1⃣ـ مثال الطاعة: (هاجر المصرية) (1) زوجة النبي إبراهيم الخليل عليه السلام وأم إسماعيل عليه السلام والتي تحملت عناء الهجرة من فلسطين لتحل بدار الغربة مكة ، في بلد ليس فيه زرع ولا ماء ، وبقيت وحيدة مع ابنها إسماعيل ليس لشيء إلا لطاعة الله ، وتحملت ذلك الإمتحان الإلهي لزوجها في ابنها ليعبد رب البيت وتهوي إليه أفئدة من الناس فلم يتركها سبحانه دون تكريم فبارك الله تلك البلاد حين قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].

2⃣ـ مثال التحدي: (آسية بنت مزاحم الإسرائيلية) زوجة فرعون مصر (2) وقد تحدّت زوجها فرعون ، وآمنت برب موسى بن عمران ، وكفرت بزوجها الذي إدعى الألوهية وقاومته تاركة من ورائها عز الرفاه والسلطان ، والقصور والديباج ، فعذبها زوجها عذابا كان فيه حتفها ، وإرتحلت إلى رحاب الله وعزته ، وكان لها من قبل دور كبير في بقاء موسى عليه السلام على قيد الحياة فكرمها الله بقوله: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].

3⃣ـ مثال الصبر: (أفاحية بنت أشموئيل الخليلية)(3) زوجة عمران بن يعمر الإسرائيلي ، وأم النبي موسى عليه السلام ، تلك المرأة التي صمدت بإيمانها الراسخ بالله أمام كل عذابات طاغية زمانها فرعون مصر ، وواجهت ملاحقته بالصبر في حين يذكر المؤرخون لم يبق في مصر من النساء المؤمنات إلا آسية بنت مزاحم ، وحزبيل ، ومريم بنت ناموسا ، وكانت رابعتهن أم موسى وخالته كلثم ، فلم يغادر عسكر فرعون بيتها ، فأخفى الله حملها ومولودها ، وألهمها الله أن تضعه في صندوق وتتركه في البحر الأحمر ، فالتقطه فرعون ، فخلدها الله بقوله: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ☆ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 38، 39].

4⃣ـ مثال العفة: (صفيراء بنت شعيب الخليلية) (4) زوجة النبي موسى بن عمران عليه السلام تلك الفتاة التي كانت مع أختها تخدم أباها ذلك النبي العجوز ، وتقوم بشؤون حياته (4) الخليلية: نسبة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام ، حيث هي إبنة شعيب بن نويب بن رعويل بن مرة بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام . حيث لم يحظ شعيب بالبنين ، ومع هذا فقد حافظت على عفتها وكرامتها على درجة عالية من الحياء ، ولما تزوجها موسى عليه السلام تحملت معه تلك المشاق وناصرته ، وجاءها المخاض وهي في طور سيناء في طريقها إلى مصر ، وموسى كان على موعد مع ربه ، وقال الله عن ذلك: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29].

5⃣ـ مثال الحكمة: (بلقيس بنت هدهاد الحميرية) ملكة سبأ «اليمن» كان لها سلطانا عظيما ، إلا أنها كانت على الصابئة وتعبد الشمس فلما جاءها رسول النبي سليمان عليه السلام وعرض عليها الإسلام ، جمعت مستشاريها وطرحت عليهم ما عرضه عليها سلميان من الإيمان بالله ، إلا أنهم رفضوا ذلك ولكنها درست الأمر بحكمة وتعاملت مع رسول سليمان بحكمة ، ثم أنها قررت الذهاب للقاء النبي سليمان ، فلما إلتقت به وشاهدت عظمة النبوة وسمعت منه ما يسرها ، آمنت بالله العظيم وضمت ملكها إلى ملك سليمان ، فقال عنها الله سبحانه وتعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].

6⃣ـ مثال ألأمل: (حنّة بنت قافوذا الإسرائيلية) زوجة عمران وأم السيدة مريم العذراء ، كانت حنّة عاقرا ، فالتجأت إلى الله سبحانه وتعالى ولم تقطع أملها بالله العظيم وتضرعت إليه متوسلة أن يرزقها ولدا يكون نذرا خالصا لأن يعمل في بيت المقدس في سبيله تعالى ، فاستجاب الله دعائها ولكنها وضعته أنثى فإحتارت في أمرها فأوحى الله لها أن تفي بنذرها وإن كانت أنثى فخالفت قومها واتبعت تعاليم ربها وتحملت الفراق فذكرها الله بقوله: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ☆ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 35، 36].

7⃣ـ مثال الطهارة: (مريم بنت عمران الإسرائيلية) (5) أم النبي عيسى بن مريم عليه السلام ، تلك الطفلة الطاهرة ، والفتاة الصالحة ، والمرأة الرسالية ، التي ولدت بدعاء أبيها وأمها بعد العقر ، وكانت منذورة لخدمة بيت المقدس ، ورغم أنها كانت أنثى تقبلت مستقبلها الغامض برحابة صدر مع علمها بما سيلاقيها من المتاعب ، بين زمرة الرجال الذين لا يحملون من الشفقة حرفا ولا من الإيمان كلمة ، ومضت في دربها وشقت طريقها ، وتحملت ما تحملته في سبيل الله ، وتقبلت أمر الله برضاها فنفخ الله فيها من روحه ، فاتهمها القوم فاعتزلتهم غير مبالية بهم ، وأنجبت نبيا من أنبياء أولي العزم ألا وهو عيسى عليه السلام ، فجعلها الله مثلا يحتذى بها. قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12].

🌷فإن كل واحدة من اللائي ذكرناهنّ أصبحت مثالا للكمال البشري وقدوة يحتذى بها ليس للنساء فحسب بل لكلا الجنسين ، ولم يكتف القرآن المجيد بذكر هذه النخبة فحسب بل ذكر نموذجا آخر من بنات حواء ممّن إنتمين إلى المعسكر الآخر فتحدث عنها القرآن بالذكر السيء ومن تلكم النساء إمرأة نوح ولوط عليهما السلام اللتان قال عنهما تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10] ، وقد أعرضنا عنهما وعن أمثالهما كي لا نتوسع ، ولا يخفى أن في كل قضية من قضايا القرآن عبرة لأولي الألباب (6).

📝العلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
ـــــــــــــــــــــــ❀•▣🌸▣•❀ــــــــــــــــــــــــ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ .

المصدر : ملتقى الوعي والتلاحم الشبابي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock