الأخبار العربية

أزمة لبنان الاقتصادية والمالية وأبرز سياسات خطة المعالجة

في خضم الأزمة الاقتصادية والمالية التي يرزح تحت ثقلها لبنان، لا بد لنا كلبنانيين من استلهام العبر من تجارب الأمم والمجتمعات السابقة التي كابدت مثل معاناتنا وكانت أمورها وتحدياتها تشابه تلك التي تواجهنا اليوم، ويستحسن في هذا الإطار مراجعة التجربة الإسلامية التي انطلقت لمعالجة أزمة المجتمع الجاهلي الغارق في الطبقية المفرطة والمتوغلة فيه نخبته المترفة نهباً وسرقة لموارده وأموال فقرائه واستعباداً لهم. 

العالم – مقالات وتحليلات

ويوضح القرآن الكريم سياسات المعالجة تلك بالآيات الكريمة التالية: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ” (سورة البقرة 279-278).

لقد بيّن القرآن الكريم أهم السياسات الإصلاحية المالية التي طبقها النبي محمد (ص) في المجتمع الجاهلي ليستنقذه من قيود العبودية للمترفين فيه من أصحاب المال، والذين كان الربا إحدى أهم السبل التي جمعوا من خلالها ثرواتهم واستعبدوا من خلالها المستضعفين في مجتمعهم، وهي:

إلغاء الفوائد الربوية التي كانت باقية في ذمم المدينين ومنع الربا الذي كان سائداً في الجاهلية والتشدّد في العقوبة عليه لتصل إلى قتل المرابي بعد نهيه وتأديبه لمرات عدة لكونه محارباً لله ولرسوله.

لقد كانت تلك السياسة الركيزة الأولى لإطلاق عملية الإصلاح الاقتصادي ونقطة تحوّل في العمليات الاقتصادية التي كانت تكبّل ذلك المجتمع.

ونحن نرى اليوم بأمّ العين كيف أن دولاً تُستعبد بسياسة الربا مع مؤسسات هذا المجتمع العالمي الكبير، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي يرعاها النظام العالمي القائم حالياً.

وعلى الصعيد المحلي يدرك أصحاب البصيرة من اللبنانيين تفاصيل الخطة التي وضعت لهذا البلد، منذ أن تولّت الحريرية السياسية الحكم، من أجل إحكام قيود العبودية للاستكبار الأمريكي حول عنقه التي ساهم في صناعتها وسبكها وإحكام أقفالها، ساسة لبنانيون ورجال أعمال وموظفون كبار فاسدون ومفسدون، تشاطروا ضروع بقرة الدولة، واستنفدوا لبنها وما زال هذا دأبهم بكل وقاحة وجرأة عبرالمراباة معها غير عابئين بثورة الناس عليهم أو مستلهمي العبر من ثورات شعبية مماثلة أطاحت بحكام ومترفي مجتمعاتها ولعنتهم وألقتهم في ظلمات النسيان.

فما هو المطلوب اليوم؟ بعد أن وقعت الواقعة واقتربت الدولة من حافة الإفلاس وطالبت بهيكلة الدَّين لعدم قدرتها على تسديد الفوائد الربوية المستحقة عليها لصالح الدائنين الداخليين والخارجيين، ولقد كنا طالبنا بإعادة الهيكلة في مقالات سابقة منذ سنة أو أكثر كأحد الإجراءات المطلوب تنفيذها ابتغاء لإصلاح الواقع الاقتصادي للبلد.

إن أول عمل ينبغي القيام به في هذا الإطار هو وضع خطة تتضمن السياسات التالية:

١- تهيئة الرأي العام اللبناني لتقبل الإجراءات التقشفية والإصلاحية التي تنوي الحكومة القيام بها من خلال بيان الواقع المالي بكل شفافية ووضوح.

٢- تحديد نسب الاقتطاع من الفوائد التي أخذها الدائنون من الدولة كأرباح قياساً على الرأسمال الذي اكتتبوا فيه في سندات الخزينة منذ ان تم اعتماد تلك السياسة في بداية التسعينات.

٣- الالتزام بالجدول الزمني المحدد في الخطة من قبل الحكومة لتنفيذ الإجراءات المالية الإصلاحية.

٤- تطمين أصحاب الودائع لا سيما صغار المودعين على ضمان ودائعهم.

٥- محاسبة أصحاب البنوك والموظفين الماليين الكبار على ما اكتسبته أيديهم من تهريب لأموال الناس والتلاعب بأموال الدولة عبر سياسات رديئة متعمدة لتشريع وتسهيل عمليات النهب والسرقة لمواردها المالية.

٦- التحرّر من عبء الضغوطات السياسية الخارجية التي تمنع قيام المشاريع الإصلاحية الكبرى التي يُعوّل عليها لوقف الهدر وتحويل الاقتصاد من ريعي الى إنتاجي، في حال أتت من دول صديقة لا تسير في الركب الأمريكي.

٧- مطالبة حكام البلد وسياسييه إعادة أموالهم المودعة في الخارج الى لبنان، وتفكيك مصالحهم واستثماراتهم خارجاً، للتحرر من الضغط الأمريكي عليهم فيستطيعوا بذلك اتخاذ القرارات السيادية الرشيدة.

٨- اعتماد سياسات مالية رشيدة أثبتت التجربة نجاحها في أزمات شبيهة، بعد التشاور مع أهل الاختصاص، عمادها تخفيض الفوائد على الليرة والدولار، وتسهيل عملية منح القروض، لتشجيع الناس على الإنتاج وعلى استثمار أموالهم خارج إطار المراباة مع الدولة، مع التشدد في منع التلاعب بسعر صرف العملة من قبل أدوات لا تتحكم بها الدولة.

إن السفينة تغرق وعلينا كلبنانيين التحرك سريعاً مساهمة منا كمواطنين في إنقاذها، وهذا لا يتم الا بالتضحية والصبر من قبل كل منا، وكل بحسب طاقته ووسعه، على أن يتحمل المسؤولية الأكبر كبار المودعين الذين جنوا أرباحاً وفيرة من خلال مراباتهم مع الدولة.

علي حكمت شعيب – استاذ جامعي

المصدر : قناة العالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock