مقابلات

حوار خاص مع الأستاذ العلامة/ محمد بن أحمد مفتاح

حاوره ماجد الغيلي المسؤول الإعلامي بملتقى الوعي والتلاحم الشبابي

السيرة الذاتية للعلامة مفتاح:

العلامة محمد أحمد أحمد مفتاح من مواليد 1967م بمحافظة صنعاء بقرية بيت مفتاح بمديرية الحيمة الخارجية تلقى تعليمه الأساسي بمدرسة الشهيد الصبري بالحيمة وكان يقوم بالخطابة في مسجد قريته وبعض مساجد المديرية رغم صغر سنه ثم انتقل إلى صنعاء لتلقي العلوم الشرعية لدى العلماء في الجامع الكبير بصنعاء ولدى العلماء في عدة مساجد وفي مجالس العلم أينما كانت مع مواصلته للتعليم الرسمي في ثانوية الكويت ثم في معهد صنعاء العلمي ثم كلية التربية بجامعة صنعاء والتي تخرج منها عام 93م ليلتحق بسلك التدريس بوزارة التربية مع انتظامه في إقامة حلقات تدريس العلوم الشرعية في عدد من المساجد.

تولى الخطابة بجامع بيت سريع بمنطقة شعوب في صنعاء ثم انتقل للخطابة والتدريس في جامع التوفيق بالجراف الغربي بصنعاء ثم طُلب للخطابة وتدريس العلوم الشرعية بالجامع الكبير بالروضة مع إشرافه على عدد من الأنشطة العلمية والثقافية منها الدورات الصيفية المتعددة وتولى مسؤولية الإشراف على تأهيل مدرسي الدورات الصيفية لعدة سنوات كما تولى الإشراف على تأهيل الخطباء لعدة دورات.

تنقل في مختلف أرياف اليمن ومدنه للتوعية وإلقاء الخطب والمحاضرات ومد جسور التواصل بين المدارس العلمية المختلفة من حضرموت إلى صنعاء إلى الحديدة وزبيد إلى صعدة وتعز والبيضاء وأثناء كل ذلك كان حاضرا في المشهد السياسي من خلال حضوره ومشاركته في الفعاليات السياسية وتناوله للتطورات السياسية والقضايا الوطنية في خطبه ومحاضراته.

كان من أبرز من تتلمذ عليهم السيد العلامة حمود بن عباس المؤيد وصنوه السيد العلامة عبدالله بن عباس المؤيد والسيد العلامة بدر الدين الحوثي والقاضي العلامة محمد بن أحمد الجرافي مفتي اليمن وحصل على إجازات علمية من عدد من أكابر العلماء.

تعرض للاعتقال عدة مرات بسبب أرائه ومواقفه وتعرض للمحاكمة بمحكمة أمن الدولة مع زميله العلامة يحي الديلمي بسبب موقفهما الرافض للحرب على صعدة كما تعرض للإخفاء القسري ومحاولة الاغتيال لعدة مرات.

شارك في تأسيس العديد من الجمعيات والمؤسسات والمنظمات والفعاليات الجماهيرية والشعبية وتم انتخابه رئيسا لمجلس شورى حزب الحق ثم استقال منه وساهم في تأسيس حزب الأمة الذي تولى فيه رئيس اللجنة التحضيرية لتأسيس الحزب ولا زال، كما تم اختياره عضوا في اللجنة الثورية العليا التي تولت الإشراف على تسيير أعمال الدولة حتى تم تشكيل المجلس الساسي الأعلى، له العديد من المباحث العلمية في مجالات متنوعة.

 نص الحوار:

أستاذ محمد، برأيكم لماذا خرج الإمام الحسين عليه السلام وقاد ثورة ضد يزيد ومشروع يزيد؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تسمية الخروج في حد ذاتها أنا لا أوافقها، الإمام الحسين نهض بثورة في وجه أسوأ طغيان بعد النبوة، حيث الفترة بين وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام فترة محدودة، يعني في عام 40 للهجرة حدثت الحادثة أي بعد 30 سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله، أصبحت الأمور تدار وكأن الأمة ملك لمعاوية ولذريته ولزبانيته، أوصى بأنّ أمر الأمة يصير ليزيد بن معاوية ومن اعترض أو لم يبايع يقتل، وكان ممن أوصى معاوية بقتلهم الإمام الحسين، أي يجب أن يبايع يزيد على ما أراد معاوية أن تكون مقدرات الأمة في ملك يزيد وإلا يقتل، فكان هنالك أمر بقتل الإمام الحسين، الإمام الحسين ليس من السهل أن يتم اصطياده بهذه البساطة، الإمام الحسين صاحب مشروع عظيم، مشروع تحرري كبير، فأراد أن يجعل من مقتله واستشهاده ثورة حقيقية للأمة، وبالتالي أنجاه الله وخلصه الله من مؤامرة القتل والتسميم واتجه إلى قيادة ثورة ونهضة فكرية ونهضة أخلاقية في وجه الطغيان الأموي واستطاع بحمد الله بدمه الطاهر الزكي وبدماء من معه من أهل بيته وأصحابه استطاعوا أن يسقطوا حكم معاوية، لم يبقَ يزيد بعد استشهاد الإمام الحسين سوى سنتين، في خلال السنتين ارتكب فاقرتين كبيرتين وجريمتين كبيرتين وربما أنه تم تسليمه، أنا تقديراتي من خلال استنتاجاتي التاريخية بأنه تم تسليمه من بني مروان لأنهم وجدوا في يزيد الشخص الضعيف الهزيل ولكنه الحائل بينهم وبين الوصول إلى السلطة، فربما أنهم سعوا إلى تسليمه ولكن أباده الله وهلكت دولته وانتهى البيت الأموي الأول الذي هو السفياني، وانتهت دولته تماما بثورة الإمام الحسين التي دفع فيها الثمن الباهظ من خيرة أهل بيته إضافة إلى استشهاده وإلى الترويع الكبير الذي لحق بنسائه وأهله وأصحابه ولحق بكل من كان يحب الإمام الحسين ويحب آل البيت ويحب منهج الحق والعدل.

 

كيف تجدون المعنى الحقيقي لتلك الثورة وترابط الأحداث وانتصار الدم على السيف؟

 

المعنى الحقيقي لتلك الثورة أن الإمام الحسين عليه السلام كسر كل القيود التي تحول بين الإنسان ويبن القيام بواجبه، كان هنالك أعيان ووجاهات وشخصيات كبيرة في الأمة الإسلامية كان بإمكانهم أن يقفوا مع الإمام الحسين وتنتصر الثورة، الذي حصل، الذي كان يخاف على نفسه، والذي خاف على ولده والذي خاف على أمواله، والذي لديه مبررات، الإمام الحسين كسر كل هذه الحواجز، وأرسل للجميع رسالة، من كان يخاف على أولاده ها أنا خرجت بأولادي إلى ميدان المعركة، بأولادي بنسائي بأطفالي، الذي يخاف على أمواله ها أنا تركت الأموال كلها، الذي يخاف على نفسه ها أنا خرجت بنفسي، هذه الرسالة هي رسالة الإمام الحسين منذ ذلك الحين إلى اليوم بأنه من عاش الخوف الذي عبر عنه الإمام زيد فيما بعد بقوله “من أحب الحياة عاش ذليلا”، هذه رسالة الإمام الحسين هي الرسالة الخالدة التي يجب أن تبقى في ضمير كل حر والتي لخصها بعبارة “هيهات منا الذلة”، عندما أرادوا أن يخوفوه بالقتل، القتل الذي عبر عنه الإمام الحسين بأن القتل لنا عادة، نحن أهل البيت نقتل لأننا نواجه الطغيان ونواجه الباطل وبالتالي تلقائيا سنقتل، فـ”القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة”.

ملخص ثورة الإمام الحسين في التضحية في أعلى وأسمى صورها، التضحية التي تكسر كل حواجز الخوف، الخائف على أهله والخائف على ماله والخائف على نفسه والخائف بذاته، خوف كل هؤلاء قال لهم أنا أتقدم الصفوف بنفسي وبأهلي وبأولادي وبنسائي وأترك أموالي وأنا متقدم للصفوف، فالإمام الحسين ترك هذه المأثرة العظيمة للأمة.

 

حدثنا عن واقع كربلاء والتأثير البعيد لكربلاء من ذلك الزمان إلى اليوم.

 

كارثة كربلاء أو ملحمة كربلاء بالأصح كان واقعا كشف زيف كل من كانوا ينتمون إلى الإسلام في ذلك الزمن، كيف يليق بمن يدعي أنه ينتسب إلى الإسلام ويشهد أن محمدا رسول الله وهو يأتي بكل ثقله وبسيفه ويقاتل أقرب الأشخاص إلى محمد رسول الله في ذلك الزمن، أقرب شخصية إلى رسول الله في تلك المرحلة والإمام الحسين ابن علي الذي أمه فاطمة بنت رسول الله، فمن جاء يحمل السيف ويقتل هذا الإنسان الذي هو أقرب شخصية نسبا وسلوكا ومنهجا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الإمام الحسين، فكشف هذا الانحراف الكبير الذي كيف إنسان يسجد لله ويدعي أنه على منهج رسول الله وأن هذه الصلاة تعلمها من رسول الله ويشهد أن محمدا رسول الله في تشهده وفي أذانه ويأتي ليرتكب تلك الفواحش والبشاعات في حق أقرب إنسان إلى رسول الله وألصق إنسان برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، واقع كربلاء بعد استشهاد الإمام الحسين فيه مأثرة عظيمة وملحمة كبيرة، تم الإساءة البليغة للنساء والإذلال لنساء آل البيت، لزينب بنت فاطمة الزهراء بنت علي بن أبي طالب وللنساء معها، وتم الإساءة إلى جثامين الشهداء، تم تمزيق جثامين الشهداء بسنابك الخيل وتم قطع الرؤوس ورفعها على السهام أمام النساء وأخذ النساء في موكب مؤلم ومحزن ومخزي من كربلاء إلى دمشق ورؤوس أهلهن أمامهن، زينب ترى رؤوس أولادها ورأس أخيها الحسين ورؤوس أولاد أخيها ورؤوس أخوتها وكذلك بقية النساء وهن مرفوعات ويطاف بالنساء في الأسواق، فكانت هذه هي الفاضحة والكاشفة لكل ذلك الزيف، زيف الادعاء إلى الإسلام، زيف الأذان والصلاة كذبا وزورا وادعاء الإسلام ولا يوجد أي شكل من أشكال الإسلام، وها أنت أيها المجرم تقترف أكبر جريمة في حق عرض رسول الله وفي أقاربه وفي أهل بيته.

 

اليمن اليوم يشهد في كل يوم كربلاء.. ما تعليقكم على هذه المقولة في ظل استمرار العدوان السعودي الأمريكي للعام الخامس؟

 

الجرائم الفظيعة التي يرتكبها العدوان من قتل وإبادة جماعية للمئات من البشر كما حصل في تجمعات كبيرة في المأتم بالصالة الكبرى التي استشهد فيها المئات وجرح المئات وفقد العشرات، في عرس سنبان، في أرحب في كثير من التجمعات، قصف حافلة الأطفال في ضحيان، في عشرات الجرائم التي استهدفت الأسواق والمساجد والمستشفيات والطرقات وفي كل مكان، في البيوت مثلما حصل في صنعاء القديمة وفي صنعاء لأكثر من مكان وفي مدن كثيرة جدا وللمسافرين، كل هذه الجرائم توازي تلك الوحشية التي ارتكبت في كربلاء، أوحش وأفظع ما في هذه الجرائم أنه كان المكان يقصف مرتين، القاعة الكبرى يعرفون أنه تجمع عزاء وأن هذا التجمع مدني في مأتم ومناسبة اجتماعية يحضرها الناس بكل أطيافهم بما في ذلك عملاء للعدوان، فتم قصف القاعة وتم إعادة القصف، الذين استشهدوا في القصف الثاني أكثر ممن استشهدوا في القصف الأول، والذين تضرروا في القصف الثاني أكثر من الذين تضرروا في القصف الأول وهكذا في كل جريمة ترتكب، عندما يتم تكرار القصف كأن العدو يريد أن يعبر عن شعوره بالنقص، عن شعوره بالحقارة عن شعوره بالازدراء باستعراض هذه الجرائم البشعة بحق الأبرياء والمدنيين والمستضعفين، فهذه مثال لذلك السلوك الذي تم عندما أخذت النساء في موكب الحزن ورؤوس أقاربهن معلقة أمامهن من شمال الجزيرة العربية إلى داخل الشام في رحلة مأساوية فظيعة ومحزنة، هذه مماثلة لتلك ومشابهة لتلك.

 

من خلال متابعتكم للأحداث السياسية.. هل تعتقدون أن العدوان سينتهي قريبا؟

 

العدوان لن يتوقف ولن ينتهي قريبا، ولكن حرب الإبادة الشاملة كصنف من أصناف العدوان هي التي ستنهزم في القريب بإذن الله سبحانه وتعالى، العدوان له أشكال، العدوان لم يكن على شكل واحد، لم يكن مجرد حرب عسكرية، هو عبارة عن حصار، عن تجويع، عن نشر للأوبئة، عن مؤامرة لتفكيك المجتمع، عن تدمير للقيم والأخلاق، عن حرب عسكرية بأفتك أدوات القتل، تدمير، فالذي سينهزم هو الجانب العسكري، ولن يكون هزيمة الجانب العسكري إنهاء للجانب العسكري، لأن العدوان متسلسل، بدأ بالعملاء والمرتزقة الذين من داخل اليمن ثم بالأنظمة الاستبدادية والتسلطية التي انجرت وراءهم، النظام السعودي والإماراتي والنظام البحريني ومن انضم إليهم، ثم وراء هؤلاء المشغل الرئيسي وهي قوى الهيمنة والاستبداد الدولية أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وكل قوى الهيمنة الدولية، وبالتالي عندما ينهار النسق الأول سيتحرك النسق الثاني، قد يختلف نوعية التحرك، مثلا إذا انهار النسق الأول الذي يمثل المرتزقة فسيبدأ النسق الثاني وهو الأنظمة العميلة في المنطقة، النظام السعودي والإماراتي ومن إليهما، هناك أنظمة متخفية، إذا انهار النسق الثاني سيبدأ النسق الثالث ويظهر الكيان الصهيوني مباشرة ومعه الإدارة الأمريكية وبريطانيا، فهذه الأنساق للعدوان تحتاج إلى جهود كبيرة والانتصار الكبير بحاجة إلى صبر، وما حققناه إلى الآن هو انتصار، أن نكون ثابتين لمدة أربع سنوات ونصف ولم يحقق العدوان أهدافه التي أرادها وهو إذلال وتركيع الشعب اليمني في مدة شهر على الأكثر، وهذا لم يتحقق وها نحن بعد أكثر من أربع سنوات بدأنا برد اللكمات الموجعة والضربات الموجعة للعدو ونحن نلحق به الأذى ونخيف العدو فالآن نحن في انتصار، ولكن الانتصار النهائي يحتاج إلى صبر، قد يتوقف العدوان العسكري وتبقى أشكال أخرى من العدوان، الضغوط السياسية والممارسات السياسية ومحاولة تفكيك اللحمة الداخلية والإضرار باليمنيين ونشر الأمراض والأوبئة، ستبقى أشكال أخرى من العدوان، فلكي ينهزم العدوان هزيمة مدوية يحتاج هنا إلى صبر وإلى وعي، وأدعو النخب وبالذات الذين يتحملون مسؤوليات إدارية ووظيفية في الدولة، أدعوهم إلى أن يستشعروا خطورة المرحلة وأن يستشعروا الخوف من الله وأن يكونوا مسؤولين أمام الله وهم يتحملون الآن مسؤوليات قيادية ومسؤوليات إدارية، إذا أحسنوا سنسرع بهزيمة العدوان وإذا أساءوا سيطول المدى علينا حتى نحقق الانتصار العظيم.

 

لماذا يرى الكثير من أبناء الأمة أن ذكرى عاشوراء خاصة بالشيعة دون غيرهم وأن الحسين سبط رسول الله لم يخرج من أجل الأمة كل الامة.. ولماذا التلاعب بالمصطلحات التي تخدم البلاط الحاكم على امتداد القرون الماضية؟

 

الكثير من المنتسبين للإسلام تم تضليلهم تاريخيا لأن الذين ارتكبوا جريمة التصفية للإمام الحسين ومن معه هم ارتكبوا ذلك وهم يدعون الانتساب للإسلام والدفاع عن الإسلام وما ارتكبوا ذلك إلا دفاعا عن الإسلام وبالتالي هذا التضليل التاريخي ممتد إلى اليوم، والتضليل أصبح عبارة عن كتب ومؤلفين ومنهج سياسي ومنهج فكري ومنهج يدعى أو يزعم بأنه علمي وليس له أي صلة بالجانب العلمي، فصار منهج يتربى عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، فالأمة بحاجة إلى ثورة فكرية، إلى ثورة علمية، إلى ثورة أخلاقية لتجاوز كل هذا الركام الهائل من التضليل والخديعة بحيث يصبح المجرم المعتدي هو الشرعية، ومن يقوم من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين ومن أجل حماية أعراض الناس وأملاكهم وكرامتهم هو المتمرد وهو الإنسان المخرب وهو الإنسان الفاسد وهو الإنسان الذي لا يريد مصلحة المسلمين، قد ضحى من أجلهم بأغلى ما لديه ولا زال في نظر أصحاب الثقافة المغلوطة والتضليلية لا زال في نظرهم الإنسان الذي يريد التخريب على الناس، ما يشتي الناس يعيشوا، أي ناس؟ الناس الذين يعيشون حالة ابتزاز الأمة والسيطرة عليها والأخذ لثرواتها ومقدراتها.

 

هناك مجرم بالعمل ومجرم بالسكوت وهذا ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام في مقولته: “عندما سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق” وبذلك أصبح الإمام الحسين ضحية بين من قاتلوه ومن خذلوه.. كيف ترون السكوت عن الحق من أهل الحق وما تبعاته وآثاره على مستوى الأفراد والجماعات؟

 

أشرت إليه فيما سبق وهو أنه كان هنالك المئات من النخب في أيام الإمام الحسين ممن لهم تأثير وبإمكانهم أن يقفوا مع الإمام الحسين وكان سيتغير مسار المعركة ولكنهم خافوا على مصالحهم التي فقدوها في أسوأ ظرف بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، الذين ارتكبوا جريمة التصفية للإمام الحسين ومن معه انتقموا من كل أولئك الساكتين وأهانوهم وكل تلك المصالح التي خافوا عليها انتهت وانتهى معها ما كان أكثر منها، الآن جريمة السكوت هي ذات الجريمة، الذين يسكتون الآن ويلتزمون الحياد بشأن العدوان سواء كانوا خائفين على مصالحهم أو على أنفسهم ويظنون بأنهم يحمون أنفسهم ومصالحهم ويظنون أنفسهم أذكياء، يقول “أنا ما أتدخل، ابسر فلان ابنه قتل، وفلان حصل عليه كذا وهكذا”، هؤلاء الواقع يقول لهم بأن خوفهم وجبنهم وتقاعسهم وعدم اهتمامهم سيرتد عليهم قريبا، الله سبحانه وتعالى جعلها سنة في كتابه العظيم، كل الذين ناوئوا الأنبياء والذين سكتوا عنهم جاءت لهم العقوبات، ما نجّى الله إلى الذين كانوا ينهون عن السوء، نجاهم من عقوبات العذاب في الدنيا وفي الآخرة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس وينتظره العقوبة العاجلة قبل العقوبة الآجلة، قبل عقوبة الآخرة وسخط الله سبحانه وتعالى وأن يموت في حالة من الخزي والذل والانكسار، فأدعو كل حر كريم وكل إنسان عنده إحساس بإنسانيته وكرامته وبإنسانية الناس وكرامتهم أن يلتحق بصفوف المواجهة لتيار الطغيان العالمي، تيار الفرعونية الذي تقوده أمريكا وتنسقُ مشاريعَها التفصيليةَ الأنظمةُ العميلة وأدوات هذه الأنظمة العميلة.

 

ابن تيمية ساوى بين الحسين ويزيد وقال بأن ما حصل هو اختلاف ناتج عن اجتهاد في ذلك الزمان ولعل الله يجمع بين الحسين ويزيد في مستقر رحمته يوم القيامة.. كيف تردون على هذا الاستهتار والفهم السيء للدين؟

 

هذا عبارة عن فهم متقدم لابن تيمية، أنا سمعت فقرات وقرأت فقرات ولم أتمكن من إعادة هذه للمصادر الأصلية لأن ابن تيمية يخطئ الإمام الحسين، ويرى بأنه أخطأ وأنه خرج من أجل الصراع على الملك والأطماع، هو يتخذ موقف يزيد، الموقف الأموي، لو كان يرى بأنه اجتهاد لقلنا بأنه موقف متقدم مع أنه مجاف للحقيقة وموقف لا يطابق شرع الله ولا يرضى به شرع الله ولا يرضى به الله ولكنه أفضل من الموقف المأثور كثيرا عن ابن تيمية، أذكر ممن قرأت لهم من التلاميذ المتأخرين لابن تيمية، المؤرخ ابن كثير، معه عنوان لسنة 61 للهجرة وفيها خروج الحسين بن علي لطلب الملك، معناه أن الرجل ليس لديه قضية ولا مظلومية ولا مبادئ ولا شيء وفي نفس الوقت يورد الروايات التي رويت تاريخيا، لكن ماذا قال الإمام الحسين، لو كان عنده عقل وإنصاف كانت الروايات كافية لمنعه لمثل هذا التوجه الظالم والفاجر في الخصومة، الإمام الحسين الذي يقول “ إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً”، الإمام الحسين الذي له المواقف والكلمات العظيمة التي رواها ابن كثير أيضا، لم تؤثر في عقلية الرجل بحيث يقرأ قراءة موضوعية بعيدا عن ما تربى عليه من شك وضغينة وتعصب باعتبار أنه سني ومن يكتب عنه شيعي، فهذه مواقف مؤسفة لتيار ضلل الأمة ولا زالت الأمة تدفع ثمن تضليلهم إلى الآن، وهذه الدماء التي تسفك في كل مكان، الآن الكرة الأرضية تكاد أن تكون مستقرة إلا مناطق المسلمين، وتكاد الدماء أن تكون مصانة إلى دماء المسلمين، في أفريقيا، في آسيا حتى المهاجرين، ويكاد أن يكون للناس شرفهم وكرامتهم إلا من ينتسبون إلى الإسلام، هؤلاء هم ضحايا هذه الثقافة التضليلية الخادعة، ثقافة بن تيمية وثقافة بن كثير وثقافة المتعصبين والكذابين على مر العصور والذين تم تقديسهم وتصديرهم للأجيال على أنهم رموز والسلف الذي يجب أن يقتدى بهم وتؤخذ أقوالهم وكأنها القرآن العظيم، بل إنها تناقض القرآن العظيم، فإذا تناقض القرآن الكريم مع أقوالهم تُقدم أقوالهم، فهذا منهج السلف، وهذا التضليل الرهيب تدفع الأمة أثمانه إلى الآن.

 

تحدثوا لنا باختصار عن ارتباط الإمام الحسين بكل الثوار على مر التاريخ.

 

بالتأكيد ثورة الإمام الحسين هي أبرز ثورة في تاريخ الإسلام وما جاء بعدها من ثورات، هي أبرز تلك الثورات وأكثرها حضورا تاريخيا، الحشود الهائلة التي تخرج في ذكرى ثورة الإمام الحسين وفي ذكرى عاشوراء، هذه الحشود تذكر العالم في كل مكان بهذه الثورة، لا يوجد ثورة في تاريخ البشرية لها كل هذا الحضور الإعلامي السنوي مثل ثورة الإمام الحسين، فهي الثورة الوحيدة على وجه الأرض التي لها هذا الحضور السنوي، في كل سنة حشود هائلة تجسد هذه الثورة وتذكر بهذه الثورة وفعاليات جماهيرية وكبيرة جدا في كل مكان، ألا يدل هذا أن ثورة الإمام الحسين هي أم ثورات البشرية؟، وأول من حافظ على امتداد هذه الثورة هو الإمام زيد عليه السلام، الإمام زيد دعم ثورة الإمام الحسين، أحياها، أبقاها حية وجددها وجعل لها هذا الامتداد التاريخي، فالإمام زيد كحفيد للإمام الحسين وسائر على منهجه هو السند الأول لهذه الثورة والظهير الأول لهذه الثورة والمجدد لهذه الثورة، الذين ارتكبوا جريمة استشهاد الإمام الحسين ومن معه كانوا يظنون بأنهم قضوا على كل أمل للناس بأن يثوروا على الظلم والطغيان لكن الإمام زيد فتح باب الأمل.

بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد عليه السلام، تكلموا لنا حول هذه الشخصية الفذة والمتميزة والتي قادت ثورة ضد الحكم الأموي الظالم في وقته وزمانه وامتدادها إلى اليوم.

 

الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي سلام الله عليهم جميعا هو نموذج لذلك القائد العظيم الذي رسم ملامح التحرر من هيمنة الطغاة والمفسدين على مقدرات الأمة رغم الرجع الكبير الذي عانته الأمة بعد مقتلة كربلاء التي أودت بالإمام الحسين عليه السلام وخيرة من كانوا معه من أهل بيته ومن أصحابه وكانت حادثة مأساوية وكارثة كبيرة على الأمة وبينت مستوى الانحراف الفظيع الذي حصل لثقافة الأمة وتوجهاتها إلا أن الإمام زيد تخطى كل هذه العُقَد بعقليته الفذة، بإيمانه بالله سبحانه وتعالى، بذل روحه لله، بإخلاصه، بالتصاقه بالقرآن الكريم حتى بات يوصف بأنه حليف القرآن، هذا الالتصاق العظيم بالقرآن، التوجه إلى الله والانقطاع إلى الله منحه الحكمة، { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ } [البقرة – 269]، بحكمته وبحنكته وبإخلاصه وبذكائه استطاع أن يكسر الطوق، طوق التخويف والترهيب والترويع، وطوق العزلة التي أرادت السلطة الأموية أن تطوقه بها وأن تطوق كل حر بها، استطاع أن يتجاوز كل هذه الصعاب وأن يُوجد ثورة كانت أقوى ثورة تهدد كيان دولة طاغية، دولة متجبرة، دولة تعبث بالناس ولا تبالي لا بدمائهم ولا بأموالهم ولا بأعراضهم، استطاع أن يكسر كل هذه الأطواق وأن يتجاوزها وأن يوجد ثورة، صحيح أن هذه الثورة لم تنجح في القضاء على حكم بني أمية ولا في إسقاطه ولكنها نجحت في كشف صورته القبيحة وتعريته وهزه ومحاولة تفكيك ترابطه، ولم يبق ذلك النظام إلا فترة قصيرة حتى انتهى وسقط، فالإمام زيد سلام الله عليه هو الذي أسقط دولة بني أمية وليست الحسابات التي يحسبها المؤرخون بأنه أسقطها هذا الجمع أو ذاك من الثوار، هؤلاء الثوار استمدوا قدرتهم وعزيمتهم وإرادتهم من تلك الإرادة، ولولا ثورة الإمام زيد لكانت ربما استمرت دولة بني أمية إلى اليوم وهي تحكم حكم سلالي عائلي وتعبث بمقدرات الأمة وتتصارع عليها إلى اليوم.

 

لماذا انتسبت الزيدية في اليمن إلى الإمام زيد وليس إلى الإمام الحسين؟

 

الانتساب إلى الإمام زيد أولا هو فُرض من قبل الأعداء، وتوصيف الشخص بأنه زيدي بعد ثورة الإمام زيد كان يراد منه التخويف، إذا قالوا الناس هذا زيدي بمعنى أن الناس يخافون من عقاب السلطة لو اقترب أحدهم من فلان الزيدي كما حصل في بداية حركة السيد حسين بن بدر الدين الحوثي، كانوا يصنفون الناس بحوثي، فكانت السلطة الأموية هي التي صنفت الناس بالزيدية، ولكن هذا التصنيف تحول إلى فخر واعتزاز لكل حر وشريف بأن يقال بأنه زيدي، معناه أنه حر وثائر في وجه الطغيان، ثم السلطة أوجدت انقسامات داخل المسلمين، سلطة بني أمية ثم سلطة بني العباس التي كرست هذه الانقسامات وحاولت أن تعزل كل المعترضين على طغيان بني العباس وعلى خبثهم أن تعزلهم وأن تصنفهم إما علويين أو زيديين، ولكن وجدوا بأن تصنيفهم كزيديين أسهل على السلطة لعزلهم عن المجتمع ولمحاولة فصلهم عن قضايا المجتمع، فلم يكن هنالك مناوئ حقيقي لطغيان بني العباس غير من وصفوا بالزيدية، أصبحت الزيدية تسمية لهم وصاروا يفتخرون بها وبانتسابهم إليها، هذا هو الملخص لهذه الفكرة وإلا كانوا يسمونهم العلويون أكثر من نسبتهم إلى الإمام الحسين بمعنى أنه ذرية الإمام علي عليه السلام ثم صنفوا الناس إلى شيعة، كانوا يقولون هؤلاء شيعة الإمام علي في أيام بني أمية، ثم استمر الوضع في أيام بني العباس فجاءت دولة بني العباس وحاولت أن تبقي الاسم كما هو والتوصيف ولكن أن تقسم التيار، التيار المتحرر الذي يرى الثبات على ما قام عليه الإمام علي والمضي على ما قام عليه الإمام الحسين والإمام زيد بن علي، تحرير الأمة من الاستغلال والطغيان أنه منهج، فأرادوا قسمتهم ونجحوا في قسمتهم فأصبحت الشيعة منقسمة إلى عدة أقسام أبرز هذه الأقسام المناوئة للسلطة هي الزيدية.

 

هل بالإمكان للأمة الإسلامية أن تتحد وما هو الأمر الجامع لها وما هي نقاط الالتقاء وهل يمنع الخلاف والاختلاف الحاصل من هذه الوحدة؟

 

الأمة بإمكانها أن تتحد ولا أحد يشكك في ذلك ولكن أمر الأمة في يد حكمائها، في حالما تطور ونما الوعي وسار الحكماء وأصحاب القدرات والمؤهلات، وأصبحوا هم من يتصرف في مقدرات الأمة، في هذه الحالة بالتأكيد ستتحد الأمة، أما إذا كان أصحاب الأهواء والأغراض الذاتية والأطماع هم الذين يتحكمون في مقدرات الأمة فلا يمكن للأمة أن تتحد، وجود الحكماء وأصحاب الإحساس بالمسؤولية في واجهة الأمة، في صدارة الأمة سيجعل هؤلاء يفكرون في مصلحة الأمة، في رفعتها وفي علو شأنها وفي معالجة آلامها ومواجعها وفي تخطي الصعاب والأمور التي تعجز الأمة وتؤدي إلى فرقتها وتؤدي إلى ضعفها، فوجود هؤلاء في سدة القرار سيؤدي إلى وحدة الأمة.

 أنا ألاحظ مثلا وجود شخصية قيادية عظيمة كالسيد حسن نصر الله، في نطاق ضيق، في بلد يحكمه التعدد الطائفي والعشائري، هذه الشخصية الفذة استطاعت رغم هذا الطوق الطائفي والتصنيف الطائفي الحاد أن يجمع كل الأحرار في لبنان وفي الأمتين العربية والإسلامية وفي العالم ويكوّن وجهة واحدة، هذا نموذج لكيف تتخطى القيادات الحكيمة التصنيف والقوالب الجاهزة التي يراد منها أن تكون قوالب طائفية وفئوية تمنع الأمة من الالتقاء وتمنع مقدرات الأمة من الاجتماع.

 

شكرا جزيلا لكم أستاذ محمد على وقتكم وتفاعلكم واستجابتكم لإجراء هذه المقابلة الرائعة معكم.. وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه رضاه وجعلنا الله من مقتفي نهج الإمام الحسين عليه السلام ونهج الإمام زيد وكل أئمة آل البيت الكرام. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock