مقالات

واشنطن تعتزم التفاوض مع أنصار الله .. خطوة تكتيكية أم نية لوقف الحرب ؟

بندر الهتار

كما هي عادة واشنطن، فإن اليد التي تعجز عن كسرها سرعان ما تسعى لمصافحتها، وهذا ما يفسر الهرولة الأمريكية لعقد محادثات مباشرة مع أنصار الله بمشاركة سعودية في مسقط كما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، وتأكيدا لهذه المعلومات طار نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى واشنطن، ومن المقرر أن يلتقي اليوم وزير الخارجية مايك بومبيو.

قبل الغوص في حقيقة تحول الموقف الأمريكي يمكن الإضاءة على نقاط مهمة أفرزتها الأحداث في اليمن:

ـ أولا: انسداد الأفق في حسم عسكري للحرب المستمرة للعام الخامس، وانعكاس ذلك على الرأي العام المتذمر من إطالة أمدها وما صنعته من أزمة إنسانية، وكذلك على المجتمع الدولي الذي غير قناعاته بعد أن وفّر سابقا غطاء الحرب بالقرار 2216.

ـ ثانيا: التباين الحاصل بين السعودية والإمارات والذي انعكس صراعا دمويا في عدد من المحافظات الجنوبية منذ مطلع الشهر الجاري، والأيام المقبلة تنذر باتساع رقعة الاقتتال خلال الأيام المقبلة.

ـ ثالثا: التطور الكبير في القدرات العسكرية للجيش اليمني وأنصار الله في مجالي القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير، والتي لا تكاد تغادر سماء السعودية بدءا من مطاراتها الجنوبية وصولا إلى عمقها في الرياض والأخطر نحو حقول النفط في المناطق الشرقية، كذلك الكشف مؤخرا عن منظومات للدفاع الجوي، استطاعت أن تسقط عددا من الطائرات المقاتلة، أبرزها 3 طائرات أمريكية متطورة من نوعMQ9  اعترفت واشنطن بملكيتها لطائرتين والمرجح أنها تملك الثالثة لكنها صمتت ولم تنكر.

ـ رابعا: تدشين العمل الدبلوماسي الرسمي بين صنعاء وطهران، واهتمام الأخيرة بتطوير العلاقات، تجلى ذلك من خلال الاستقبال الحافل للوفد اليمني الذي زار طهران والتقى المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي.

الاعتبارات السابقة تقودنا إلى الإجابة عن توقيت التحول في الموقف الأمريكي، بقي أن نتساءل عن الهدف من ذلك، وهل هي خطوة تكتيكة أم هي القناعة بضرورة إيقاف الحرب ؟

قبل الإجابة على التساؤل، يمكن التذكير بأن واشنطن عملت خلال السنوات الماضية على فتح نافذة للتواصل المباشر مع أنصار الله لكنها فشلت، عدا عن لقاء يتيم بحضور عماني مع وزير الخارجية الأسبق جون كيري، لم تكن إدارة أوباما جادة في إنجاز حل سياسي رغم ما أشيع حينها، وكانت تريد أن تؤدي – شكليا – بعض النوافل لزيادة رصيدها قبل مغادرة البيت الأبيض.

وبالنظر إلى التطورات في المنطقة، يمكن التكهن بأن إدارة ترامب غير جادة حتى اللحظة في البحث عن حل سياسي شامل لملف اليمن، لأن أقصر الطرق إلى ذلك هي الأمم المتحدة، وبإمكان واشنطن أن توفر الدعم الكامل لغريفيث من خلال ممارسة الضغط على السعودية والإمارات، خاصة مع المرونة العالية التي يبديها طرف صنعاء.

يبقى أننا أمام خطوة تكتيكية تهدف إلى خلق مسار منفصل عن المنظمة الدولية، تشرف عليه واشنطن للتحكم بالملف اليمني والإمساك بكل خيوطه.

عودة إلى النقاط الموضحة أعلاه، فإلى جانب أنها تؤخذ جميعا بعين الاعتبار الأمريكية، إلا أن بروز العلاقة الدبلوماسية بين صنعاء وطهران هو الذي دفع للتعجيل في فتح مسار المفاوضات مع أنصار الله، تسعى واشنطن إلى ضرب جسر العلاقة بين العاصمتين، من خلال ما تعتقد أنه احتواء لأنصار الله، وهنا يكمن السبب في إشراك السعودية بهذه المفاوضات، لأن الرياض – وبتفكير ساذج – ترى القبول بالحوثيين خطأ استراتيجيا، ولا تزال تستبعد فكرة الاحتواء نتيجة الكثير من العقد آخرها الفشل العسكري في الحرب، بعكس الولايات المتحدة التي تفضل الخوض في هذا المسار.

قد تبني واشنطن أسس التفاوض الجديد على تحييد أنصار الله عن أي صراع إقليمي مع إيران، ثم البحث في تهدئة طويلة الأمد إن أمكن، تمتنع السعودية عن القصف الجوي ويتوقف أنصار الله عن استخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وتهدئة مماثلة في جبهات القتال، ولا يستبعد أيضا أن يتم القبول بفتح مطار صنعاء مع اتخاذ إجراءات للتفتيش في عمّان أو القاهرة، كذلك البحث في إعادة الإعمار والتزام السعودية بدفع تعويضات كبيرة.

وإشراكا للمخاوف الإسرائيلية، يمكن أن تضع واشنطن مسألة الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب، ومردُّ ذلك إلى العلاقة المتطورة بين أنصار الله وحزب الله وربما الفصائل الفلسطينية.

تستند الولايات المتحدة إلى فرضية أن بقاء إيران وحلفائها يشكل تهديدا حقيقيا لوجودها في المنطقة، يدفعها ذلك لمحاولة تفكيك هذا المحور، وهي ترى أن احتواء اليمن – إن أمكن – سيخدم هذا التوجه كثيرا.

نقطة أخرى لكنها تفصيلية، ترى إدارة ترامب أن تحقيق أي اختراق في جدار الحرب على اليمن حتى لو لم يحقق السيناريو المرسوم، فإنه قد يحقق مكاسب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة بعد أن وضع الديمقراطيون ملف الأزمة اليمنية الأسوأ في العالم كورقة سياسية يطلقونها للتشهير بترامب وإدارته التي تصر على دعم التحالف عسكريا ولوجستيا.

أما كيف ستتعامل أنصار الله مع هذه الطاولة إن عقدت، فالواضح أنها ستدخل بكل أوراقها في سبيل تحقيق هدف إيقاف العدوان ورفع الحصار، أو على الأقل بما يشكل مقدمة جادة للوصول إلى ذلك، دون أن تقبل بمسار يتعارض مع قناعاتها ومبادئها التي تشتغل عليها لإعادة إحياء الدولة اليمنية القوية، ومن ذلك استقلال القرار، إضافة إلى ذلك فإن الحركة قد نسجت علاقات متقدمة مع روسيا ويبدو أنها ستعمل على إشراك الروس في أي مسار سياسي حقيقي لمنع التفرد الأمريكي.

ما سبق يقودنا إلى الحكم المسبق بالفشل لطاولة مسقط، وإن تحققت التهدئة فذلك نزولا عند رغبة السعودية في تفادي المزيد من الضربات الباليستية التي تزداد يوما بعد آخر.
المصدر: رأي اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock