حسن فرحان المالكي يكتب .. أسانيد الوصية تختلف عن أدلة الوصية!
نشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونقذ الأوامر ببلاغ مبين كما أمره الله. إنما اختلاف المتقدمين قاد المتأخرين للاختلاف أيضاً؛ ولسنا مسؤولين عنهم؛ لا يلزمنا الدفاع عن أحد ولا الاعتذار عنه؛ إنما يلزمنا النص بالدرجة الأولى؛ ثم بعد ذلك – بعد الإيمان بالنص ولالته وبيانه ووضوحه – نعم؛ يمكن..!
أردت بالموضوع السابق (أسانيد الوصية) هي تلك الأسانيد التي فيها ذكر ( الوصية ) صريحاً، مثل : هذا وصيي، علي وصيي، …الخ
أما أدلة الوصية فهي أوسع بكثير، بل الوصية التي قد تأتي بألفاظ أخرى، أوسع وأصح وأصرح؛ كحديث الغدير مثلاً؛ فحديث المنزلة أو الغدير متواتران. أو حديث (هو وليكم بعدي)؛ وهو صحيح السند..
فمثل هذه الأحاديث ليس فيها ذكر لفظة (وصي) صريحة ولا مشتقاتها؛ لكنها أقوى أسانيد – تواتر – وأصرح دلالة.
نموذج دلالة حديث الغدير:
ومن نماذج صراحة الدلالة حديث الغدير؛ وخاصة بعض ألفاظه؛ مثل: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) بعد قوله (ألست أولى بكم من أنفسكم)؟ فهذا واضح جداً إذا تخلصت من الأفكار المسبقة وخشية مخالفة المذهب. فدلالة الغدير على الوصية العامة الشاملة الصريحة واضح جداً جداً!
( بلاغ مبين ) فعلاً! ولولا المذاهب وحب الاعتذار عن الصحابة الذين خالفوه؛ أو لم يلتزموا به.. لكان من أوضح النصوص..
تخيلوا أن هذا الحديث المتواتر قيل أبي بكر، مثلاً (أوشك أن أدعى فأجيب – يخبر عن قرب وفاته – وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً – كتاب الله وصحابتي –
ألست أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا بلى.
فرفع يد أبي بكر وقال: من كنت مولاه فهذا أبو بكر مولاه؛ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)
لو كان الحديث هكذا؛ أسألك بالله ألا يكون من أصرح ألأدلة على الوصية له؟
ضميرك يقول بلى؛ لسانك يأبى بسبب أشياء خارج النص؛ وليس بسبب النص!
وكذلك؛ لو قال النبي (أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)؛ ألا يدل على أن النبي استثنى النبوة فقط؟ وأما ما سواها فثابت؟
ضميرك يقول بلى؛ لسانك يأبى..
إذاً؛ فالذي يؤثر في هذه الأدلة ليس الاشتباه في النص؛ ولا صحته؛ ولا ضعف بيان النبي؛ ولا فصاحته؛ فقد كلفه الله (بالبلاغ المبين)؛ وسينفذ أمر الله له قطعاً..
نشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونقذ الأوامر ببلاغ مبين كما أمره الله. إنما اختلاف المتقدمين قاد المتأخرين للاختلاف أيضاً؛ ولسنا مسؤولين عنهم؛ لا يلزمنا الدفاع عن أحد ولا الاعتذار عنه؛ إنما يلزمنا النص بالدرجة الأولى؛ ثم بعد ذلك – بعد الإيمان بالنص ولالته وبيانه ووضوحه – نعم؛ يمكن.. أعني إن وجدنا – بعد إيماننا – اعتذاراً مقبولاً عن الذين لم يؤمنوا به أو خالفوا أو لم يلتزموا؛ فيمكن قوله والاعتذار به.. كخشيتهم عدم طاعة قريش مثلاً؛ أو أنهم لم يبلغهم النص؛ أو لم يفهموه؛ أو اشتبهوا؛ أو تابوا .. الخ
الأعذار كثيرة جداً؛ يمكن أن تقال.. – والله أعلم بها – لكن؛ لابد من الاعتراف أن هذا موضوع آخر تماماً..
نعم؛ أن تبحث عن عذر الذي خالف، وتستدل بالقرائن من جهاده أو صلاحه أو إنفاقه أو قدم إسلامه ..الخ؛ ولكن؛ بعد الإيمان بالنص وحمايته.. الأولوية للنص. فحماية النص أولى من حماية الشخص؛ كلفك الله بالنص ولم يكلفك بالشخص. كما لا يكلفك الله بهذا النص بالانخراط في عقيدة شيعية؛
لا إمامية ولا زيدية ولا إسماعيلية.. فقد زادوا ونقصوا وأضافوا عقائد كثيرة..
لا تخف لن تكون شيعياًُ إذا آمنت بالنص، النص فوق المذاهب؛ يلزمك النص الذي تؤمن به فقط.
أي؛ أنك تستطيع أن تؤمن بالغدير ودلالته على الوصية العامة وتبقى سنياً؛ إذا كنت حريصاً على التسمي بالمذهب؛ ثم؛ أليس حديث الغدير من السنة؟ أليس هو بيان نبوي عام واضح بين؟ أليس من (البلاغ المبين)؟
الجواب: النبي أفصح من نطق بالضاد؛ والبلاغ مبين جداً؛ وهو من السنة؛ بل من لب السنة وصريحها وأقواها وأبركها لو نفذ.. فالتقصير ليس من النبي في البيان؛ وإنما؛ من أهوائنا نحن، وأطماعنا، وتقليدنا، وخوفنا من مخالفة ما نشأنا عليه ..الخ؛ هذا هو السبب؛ فلا داعي للمكابرة..
ليس الذنب في الاختلاف للنص؛ رجاء لا تتهم النص؛ إنما الذنب ذنبنا نحن. ذنب سلفنا وفقهائنا وهيبتهم من تخطئة من خالف..
ليس بالضرورة أن تخطئ أحداً؛ فضلاً عن تكفيره أو تفسيقه؛ لكن اهتم بالنص فقط؛ آمن به؛ أحبه؛ لأنه من فم نبيك ووصاياه الكبرى قبل الرحيل.. هو أمانة محمد؛ وضعها في عنقك؛ ولا يلزم بعد ذلك أن تكفر أحداً أو تذمه.
نعم؛ تستطيع أن تدين الناس في تركها النص وعدم تنفيذه؛ لكن لا يلزمك تخصيص أحد؛ ربما هناك ظروف قبلية ضاغطة.. أو أي شيء آخر؛ ليس مهماً البحث عن العذر قبل الإيمان بالنص..
اهدأ مع النص اولاً؛ خذ وقتك.. لا يكون خوفك على الناس أكثر من خوفك على النص؛ خوفك ألا يضيع النص أولى من خوفك على ضياع الأمة؛ فالأمة ضايعة ضايعة؛ وليست هذه الوصية الوحيدة التي ضيعتها الأمة؛ فقد أوصاها النبي ألا تقتل بعضها فخالفت! حذرها من الدينا فخالفت؛ أوصاها بأمور كثيرة؛ فخالفت ولم تلتزم. فلماذا فقط حديث الغدير تستشكل إضاعة الأمة له.؟؟
لا تخادع نفسك؛ عشرات الوصايا القرآنية والنبوية لم يتم الالتزام بها؛ فلا يلحقك إثم من خالف.. إنما يلحقك إثم إنكارك وكبرك وعصبيتك وضيق قلبك بما تتقن أنه حق ثم ترفضه .. هنا الضرر… هنا احذر.
نكرر؛ المهم النص؛ ابق عنده؛ اهدأ؛ لا يهمك من خالفه؛ وإنما يجب أن تهتم بمن قاله وأوصى به وأوضحه وبينه .. لا تخن النص ولا صاحبه .. هذا هو المهم!
لا تقل : لا… ليس واضحاً.. لا تقل بأن بلاغ الرسول ليس بلاغه مبيناً؛ هنا أنت تتعدى على رسول الله من أجل حماية من هو دونه؛ حماية النبي أولى.
لا تتهم النبي بأنه عمي عليك الأمر وأغمضه؛ كلا؛ نصه واضح ومبين وبليغ وعام ومتواتر؛ والدلالة واضحة جداً..
اترك الجدل وهيبة مخالفة الرأي العام الذي يحيط بك.. لم يكلفك الله مراعاة الرأي العام ولا المذهب ولا الشيخ الفلاني؛ كلفك بالنص وفهمه والإيمان به وبس.
لا تكثر على نفسك الإشكالات؛ فالأمر بسيط؛ نص واضح، قل آمنا به وصدق الله ورسوله..
الشيطان يصعب عليك الإيمان بالواضحات؛ ويكلفك الإيمان بالمشتبهات؛ لا يهول الشيطان عليك الإيمان بأي نص واضح مبين؛ لا تطعه؛ واسجد واقترب. ثم بعد ذلك ليكون ما يكون..
لستَ مسؤولاً عن الناس واختلافاتهم ومذاهبهم وتأويلاتهم ..الخ. مسؤول عن نفسك؛ وأنت دائماً في ابتلاء وتمحيص وفتنة؛ فاستعد للنجاح في الاختبار.
نحن لم نتعلم الخضوع للنصوص؛ وإنما؛ تعلمنا الخضوع للأشخاص .. والمذاهب .. والسياسة ..الخ. النص أعظم منها كلها..
اعكس ما أراده منك الشيطان؛ عظم ما هونه عليك؛ وهون ما عظمه لك.. لا تخش الشيطان ولا الناس؛ فالله أحق أن تخشاه.
هذا كله لمن آمن بصحة النص ودلالته؛ أما من لم يؤمن فلا يلزمه؛ لكن لينتبه! يجب أن يبذل وسعه؛ سيسأله الله عن وسعه (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)..
والسؤال: هل بذلت وسعك؟ أعد الجواب.. ليس لي ولا لغيري .. أعد الجواب لله … فقط.
والسلام.