تقارير خاصة

الدريهمي.. الفاجعة المنسية

حتى المقبرةُ ما عاد بمقدور السكان الوصولَ إليها ودفنَ جثث قتلاهم وموتاهم

على ذوي العزاء البحثُ عن مكان بديل للدفن، وعند اكتمال حفر القبر يتوجبُ عليهم وضعَ أكثرَ من جثة داخلهُ، وهذا بالتحديد ما يصنعه أهالي المدينة الساحلية المحاصرة.. وفي القبر تستغل الحفرة لضم أكبر قدر من الأجساد من الموتى والقتلى، وقبل أن يوارى الجسد بالتراب يوارى بالمزيد من الجثث.

حُفرَ القبرُ في باحة المشفى وفيه وضعت ثلاث جثث فارقتها الأرواح في يوم واحد أحدهم اسمه محمد الذي شيعه الاهالي على متن عربة..

وبدل وضعه في عربة التشييع هذه كان المقرر من الأطباء أن تنقله سيارة اسعاف الى أقرب مشفى لإنقاذ حياته، بل ان المشيعين يقولون انه لم يكن من المفترض ان يصاب بقذائفهم ولا ان يموت بحصارهم ..

وهو ذا ابوه شيخ ثمانيني يمشي خلف جُثمان ابنه على هَون مثقلاً برزئه، أيحيى من بعده أم يُلحقهُ الأسى والفقد به !

..

رافقت الكاميرا الجريح محمد قبل مشهدي تشييعه ودفنه، ووثقت جزءا من مشاهد ما قبل الموت، والموت في الدريهمي دوامٌ دائم ومواعد لا يُخلَفُها سكانها الذين شاركهم الحصارَ فتعذّر عليه الخروجُ وتعذرت عليهم الحياة منذ أطبقت مدرعاتُ العدوان قبل عام طوق خناقها عليهم.

أدخل محمد المشفى جريحا و مصاباً برأسه ومواضع شتى من جسده بشظايا قذيفة، يومها حظيَ محمد بسرير قبل أن يُخليَهُ لحالة أشدَ حرجاً منه، حيث الأسرّة والممرضون محدودون والجرحى لا حصر لهم.

ولم تعدُ جهودُ المسعفين – من حول الجرحى أمثال محمد – محاولاتِ جمع الشظايا من انحاء جسده وسد ثقوبه الغائرة.

وحين يجد محمد الكاميرا توثق عبرها يشكو الحصارَ على مدينته والجراحَ بجسده، يتنفسُ الشكوى عبر العدسة ويقول بأنفاس تنتظر الدور إن زميله توفي بجواره، ولم ينجح المسعفون في إنقاذه ولا في إخراجه..

وحين أزف رحيلُه حاول المسعفون ابقاءه حياً أملاً بيومٍ يُفك فيه الحصار، لكن محمداً تخلص من حصار جراحه، و وفّر مكاناً لجسدٍ آخر من تلك التي لا يتوقف وصولُها ولا يقف نزيفها.

في مدينة على قيد الحصار والنار يشترك الجرحى في أسرتها ويتشاركون بعد الموت أضرحتها.

يحيى الشامي – المسيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock