مأزق العدو ومخططاته المستقبلية
بقلم السيد/ صادق الشرفي
الهدنة في لبنان حاجة ملحة للاحتلال بالدرجة الأولى وقد استنفد واستخدم كل أوراق الضغط في سبيل تحققها، لكن هناك أسئلة مهمة تفرض لمعرفة أهداف العدو ومخططاته ونتائج الهدنة وما نحن مقدمون عليه، والأسئلة كما يلي:
1- ما الذي فرض على العدو الهدنة؟
2- كيف ستنعكس الهدنة على الجبهات مع العدو وخصوصا جبهة فلسطين المحتلة؟
3- أين سيتحرك العدو مستقبلا ليهرب من واقع الهزيمة وتحديات مستقبل المواجهة مع المحور؟
والجواب على هذه الأسئلة كما يلي:
جواب السؤال الأول: هناك عوامل عدة فرضت هذه الهدنة أهمها:
1- الضربات المحكمة التي تلقاها العدو في مواجهته من مختلف الجبهات وبالخصوص الجبهة مع لبنان كونها جبهة مباشرة وفاعلة أكثر من غيرها في إصابة الأهداف الحساسة والدقيقة داخل المستعمرات في فلسطين المحتلة.
2- الضغط الداخلي من المستوطنين والأحزاب والمنظمات على حكومة النتن ياهو بسبب النزوح وحالة الخوف والهلع التي لم يعشها مجتمع المستوطنين في تاريخهم من بداية نشوء هذا الكيان اللقيط إضافة إلى موضوع الأسرى.
3- الخسائر البشرية والمادية والسياسية والتكلفة الباهظة للمواجهة مع هذه الجبهة التي تجاوزت كلفة كل معاركه السابقة بكثير.
4- انخفاض مخزون السلاح لدى العدو ومنها منظومات الدفاع المختلفة وفشلها في صد الضربات المحكمة حتى أصبحت كل المدن مكشوفة بشكل شبه كلي.
5- العزلة الدولية التي أصبح يعاني منها الكيان والتحركات العالمية ضده والتي فرضتها استمرار جرائمه بحق المدنيين والتي أصبح يستفيد منها حتى بعض المنظمات المناهضة له والنافذة في الدول الملتزمة بالدفاع عنه وتقديم الدعم له.
6- عجزه عن تحقيق النصر في أي من الجبهات ومنها غزة.
جواب السؤال الثاني:
لا شك أن التأثيرات على العدو من الجبهة اللبنانية في معظمها مشتركة مع الجبهات الأخرى ولكن مع خصوصية لكل جبهة، وهنا نستطيع القول بشكل عام إنه من الصعب فصل جبهة عن أخرى في المفاوضات وإن لم يتم ذكر ذلك في بنود الهدنة مع لبنان، فما نراه في الإعلام ليس انعكاسا كاملا لما جرى التفاوض فيه في الجلسات المغلقة والالتزامات الدولية التي أدت إلى تمهيد الطريق لتحقيق هدنة في لبنان هي التزامات وتعهدات دول كبرى لم تقدمها إلا لأنها أصبحت ضرورية للتمهيد لتحقيق هدنة، فمنها على سبيل المثال:
التعهد بتحقيق هدنة في فلسطين المحتلة في حال تحقق الهدنة مع لبنان، والسؤال الذي سيتبادر إلى الذهن هو كيف سيتم الضغط على حكومة النتن لتحقيق هذه الهدنة؟ والجواب عن ذلك أنه بالإضافة إلى أنه من الواضح أن الخيارات لدى هذه الحكومة أصبحت منعدمة فالاستمرار في العدوان لن يجرها إلا إلى المزيد من الفشل العسكري، فحركات التحرير لا تزال صامدة حتى في المناطق التي تم اجتياحها واستمرار استنزاف العدو فيها أيضا يضعفه كثيرا وكذلك عدم تحقيق أهدافه ومنها إطلاق الأسرى، أما عن أوراق الضغط فأهمها هي 3 أوراق.
الأولى: استمرار العدو في العدوان يعني أنه سيخنق نفسه بنفسه، الدول الملتزمة بتسليحه باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تستمر في ذلك لأنها بعد صدور قرار المحكمة الدولية أوقفت تعهداتها تجاه حكومة النتن وهي مجبرة على ذلك لأنه لا معنى لتلقيها قرار محكمة الجنايات الدولية إذا في حال استمرارها بتعهداتها تجاه هذه الحكومة بل إنها ستعرض نفسها للإدانة الداخلية والدولية وهذا ورد في معرض النقاشات الدولية حول التهدئة في المنطقة؛ ليس ذلك فحسب بل إن النتن وحكومته والمعزول جالانت يسعون لتخفيف وطأة قرار الجنائية الدولية ويتوقعون إمكانية التراجع عن القرار في مقابل الالتزام بهدنة، ومن المؤكد أن حكومة النتن لن تستمر بعد تحقيق الهدنة وربما خلال مدة سريانها.
الثانية: إن الرد الذي لا تزال تلوح به إيران أصبح محل مقايضة بإيقاف العدوان وفي حال استمراره فلا شك أنه سيكون مؤلما، وهذا ليس مجرد استنتاج، بل إن المتابع يستطيع قراءته من خلال متابعة الدبلوماسية الإيرانية وتحركاتها وخصوصا في التمهيد لتحقيق الهدنة مع لبنان، فلا يمكن أن يغيب عن هذا المشهد دور الدبلوماسية الإيرانية. ولعل من أخطر التهديدات على الكيان هو إمكانية تلقيه ضربة موجعة جدا في الفترة الزمنية الحالية وهو بهذا الحجم من الضعف.
الثالثة: إن حكومة النتن منهكة اقتصاديا وسياسيا، فالاقتصاد في حالة شبه ركود كامل وتوقف للحركة التجارية، وقد فرضت عليه المواجهة مستوى عال من الإنفاق لا تتحمله حتى مع وجود كل الدعم المادي الذي تتلقاه من أنحاء العالم، فهي تستغل وتبتز أيضا من الحكومات والشركات والمنظمات الدولية التي تبيعها السلع في ظل التهديدات الكبيرة على السلع التي تتحرك باتجاه موانئها.
جواب السؤال الثالث:
لاشك أن طوفان 7 أكتوبر أفشل مؤامرة تمرير التطبيع عربيا وبالخصوص خليجيا أو على الأقل قطع الطريق أمامه لفترة طويلة من الزمن وأيضا فقد حقق توجها إسلاميا موحدا بنسبة ٩٠ % في التضامن على مستوى الشعوب أولا، وقد اضمحلت بفضل هذا الواقع الكثير من عوامل التفرقة وإشعال الفتن بين المسلمين وتحول هذا الواقع السلامي إلى التفاف حول المقاومين على مستوى كل الفئات حتى القضايا المختلقة من العدو لتحقيق الفتنة الداخلية أصبحت نادرة الإثارة في الإعلام، ولقد تبوأ الفكر الإسلامي المقاوم مكانته اللائقة به في ظل الانتصارات التي حققها أبطاله وتنامى الوعي بضرورة الالتفاف حوله وهذا في حقيقة الأمر أخطر التهديدات على وجود العدو، إذ لا شك ولا ريب أن العدو يستشعر خطورة ذلك ويُعد العدة لمواجهة هذا التهديد، فما هي الوسيلة؟
ببساطة لا نحتاج إلى بذل الكثير من الوقت لمعرفة ما يفكر به العدو وما الذي يمكن أن يُحيكه من المخططات، فهي معلومة.
فالعدو بحاجة إلى استهداف الوعي الجماعي لأبناء الأمة انطلاقا من استهداف الذاكرة الإسلامية وتشويشها وتحريك الملفات التي تُحدث اختلافات في أوساط الأمة، الذاكرة الإسلامية في نظر العدو من خلال تجاربه مخزوقة ويمكن له بتحريك النزاعات أن يعيدها إلى مربع الخلافات والنزاعات المذهبية والقومية والمناطقية، هذا أولا، ولو نظرنا إلى الأوضاع المستجدة في سوريا حاليا سنلمس أن له يدٌ فيها. ومن المؤكد أنه يحتاج إلى تحريك أدوات جديدة لتحريك الخلافات لتطفوا على السطح ويبدو أن هذا هو الخيار الوحيد والأفضل لديه لأنه من خلال ذلك يستطيع أن يُوجد خط دفاع قوي ومتين عنه كونه في نظر الكثير من أبناء الأمة ستكون القضية قضية طبيعة فرضها التنوع ووجود توجهات فكرية وعقدية مختلفة تتصارع أيدلوجيا لتسيطر، وستبرز الانقسامات في الأمة على هذا الأساس، وهذا بحد ذاته انتصار للعدو فيما إن تمكنت أي حركة جديدة يدعمها سرا من فرض وجودها على الحدود معه سيكون بمثابة المعسكر التابع له والمدافع عنه، ولو ظهر على أنه يتبنى العداء للكيان، ولا شك أنه لن يكون إلا كذلك لكنه بنكهة إسلامية علمانية مطعمة بالنفس القومي المتشدد على الأرجح لأنه سيحقق من خلاله أهدافا عدة.
الأول: إنه سيفت في عضد الأمة التي بدأت تلتف حول محور يهدد وجود الكيان وهو بطبيعته تجاوز المسميات والانتماءات المذهبية والقومية والمناطقية.
الثاني: من خلال هذه الحركة الوكيلة في السر سيسيطر العدو على الأراضي المحيطة به ويضرب به الفكر المهدد لوجوده بكل إمكانياته بكلفة مادية بسيطة مقارنة بالكلفة المادية والبشرية التي يخسرها في المواجهة المباشرة.
ثالثا: سيتمكن من الاستفراد بالحركات التحريرية في الأراضي المحتلة ويكون قد قطع الطريق الأخير لإمدادها ودعمها وفصلها عن عمقها المقاوم.
فلينظر المسلمون بعين فاحصة وواعية وأنها لمسؤولية كبيرة على كل مسلم وخصوصا النخب من أبناء الأمة أن يتسلحوا بالوعي وأن يفهموا هذا المخطط وأن يكون لهم دور في مواجهته، لأن إفشاله إفشال للعدو المحتل الذي يتجه إلى الزوال باستمرار الفكر والفعل المقاوم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.