صمود الفلسطينيين وصمت العرب
بقلم / طاهر محمد الجنيد
أثبتت الأيام الماضية أن شعب فلسطين شعب الجبارين الذين اختارهم الله للرباط حول المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قدموا التضحيات وفازوا بخيري الدنيا والآخرة، ونالوا الشهادة التي يصطفي الله لها من يشاء وكأن الآيات تتنزل واصفة حالنا اليوم قال تعالى “إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” آل عمران (140) فالحرب التي مستكم بالجراح والدماء وسقوط الشهداء أثبتت صدق توجهكم وإيمانكم وتسليمكم لله رب العالمين وهي في ذات الوقت امتحان وتزكية وإثبات جدارة لاستحقاق رضوان الله، أيها الشهداء، أيها الصابرات الحرائر المكلومات، أيها الأبطال الشرفاء الذين برزتم كالأسواد في ميدان النزال والمواجهة للمجرمين رغم خذلان الخونة والعملاء، وغدر وخسة المجرمين من الحلف الصليبي اليهودي القذر الذي يمارس أبشع الجرائم دون خوف من الله ولا من المجتمع الإنساني عامة، لأنهم بمثابة كلاب متوحشة اعتادوا على سفك دماء الأبرياء والضعفاء والمساكين، حاصروا فلسطين براً وبحراً وجواً واطلقوا المجرمين والخونة، حرب استئصال لكل شيء على أرض غزة، رفعت الأصوات استغاثتها من الام، والطفل والشيوخ والعاجزين ولم يتحرك لنجدتهم سوى الأحرار وهم قلة موزعون على أصقاع الأرض، أما هبل والعزى والبقية فقد أغاثوا المجرمين ناكثي العهود وقتلة الأنبياء والمتطاولين على رب العزة والجلال سبحانه وأكثر من ذلك فعل الهندوسي المستعلي بماله وسلطانه بتسيير القوافل من موانئه نجدة وغوثا لمن أوجدوه وسلطنوه، وتفرد أبو الهول بإغلاق المعبر وتشييد الحواجز ومحاصرة أهلنا في أرض غزة وفلسطين وتوزعت البقية من الأقطار العربية الأخرى في المساهمة في الخذلان أو السكوت، وكانت اليمن هي الاستثناء في كل المواقف المشرفة، ومثل ذلك موقف حزب الله في لبنان والحشد العراقي والموقف الكويتي والقطري، الأول بمواقفه السياسية والإغاثية والثاني في الإغاثة والحوار، بخلاف ذلك الأردن التي أسكتت الرأي العام وذهبت مع غيرها لإسقاط الغذاء في عرض البحر وكأنها تنجد الأسماك الجائعة، وهكذا فالصمود تفرد به الرجال الذين حطموا الأسطورة الكاذبة والدعايات المضللة عن جيش ينتصر بالعمالة والخيانة، وبالإجرام والإبادة والجرائم ضد الإنسانية.
لماذا صمت الأكثرون عن هذه الجرائم الموجهة ضد إخواننا وأشقائنا في أرض فلسطين؟ ولماذا ساندوا المجرمين ودعموهم بكل ما يملكون؟ لأنهم اتخذوهم أولياء قال تعالى ” الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا” النساء (139).
لقد طلبوا العزة من غير الله، وطلبوها بدماء الأبرياء والضعفاء والمساكين ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل إلى المشاركة والمساعدة على القتل وسفك الدماء، فتركوا الجرحى يموتون دون دواء، والجائعين يموتون دون غذاء، وكل هذه الجرائم المشهودة يتحملون إثمها في الدنيا والآخرة ولن يطول الأمر بل إن الله سينتقم منهم عاجلا أم آجلا، فهو عالم بدخائل النفوس ولا تخفى عليه خافية.
أيها الصامدون على أرض غزة وفلسطين، قد نحزن على ما أصابكم من جراح وما تعرضتم له من إجرام وحرب إبادة هي الأقذر في سجلات المجرمين من يهود ونصارى وخونة وعملاء، لكن ذلك أساس في الامتحان والابتلاء والتحميص ونيل أعلى الدرجات في جنان الخلد قال الله تعالى” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” التوبة (16)، فقد جاهدتم وصبرتم وألحقتم الخزي والعار بالمجرمين بكل أشكالهم وألوانهم والخونة والعملاء أيضا، ويكفيكم أنكم طلبتهم رضوان الله وربحتهم دنيا وأخرى.. “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” البقرة (214)، قد سلكتم الطريق الصحيح دروب الأنبياء والمؤمنين الذين ينصرون الله أولا، وجاهدتهم ولامستم البأساء والضراء، وتكالب عليكم المجرمون من شذاذ الآفاق شرقا وغربا، لكن نصر الله آتٍ ونصر الله قريب.
يحسب القتلة والمجرمون ومن تحالف معهم من المنافقين خونة وعملاء أنهم حققوا انتصارا بسفك دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والعاجزين الذين قطعت أجسادهم أشلاء وتناثرت بين الركام والحطام، لكن عدل الله وإنصافه ورحمته وقوته وجبروته ستخزيهم وقد كستهم الخزي والعار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- أما أنتم أيها المجاهدون الشرفاء فإن الله أراد بكم خيري الدنيا والآخرة قال تعالى ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” آل عمران (142)، فالجنة سلعة غالية، لا يسابقها إلا من أخلص في جهاده وعمله، وبذل النفس والنفيس من أجل إعلاء كلمة الله، وإسقاط طواغيت الشرك والكفر، والإجرام والطغيان.
لقد أكدها الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين -رحمه الله ورضوان الله عليه- أن نفوسكم غالية فلا تبيعوها إلا بالجنة- ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة، ويأتي موقف اليمن تأييداً للمظلومية الحاصلة على الأشقاء في أرض فلسطين الذين خذلهم الأقربون واجتمع عليهم إجرام الحلف الصليبي الصهيوني.
وبينما تتجه قوافل الإغاثة من بلاد أرض الحرمين لإنجاد ضحايا حرب أوكرانيا وروسيا، تنجد أوكرانيا وروسيا وتنجد اليهود بالقوافل والطائرات والمواقف السياسية والدينية التي تجعل حماس هي الشر بعينه، لكنها لا ترى في الإبادة والجرائم ضد الإنسانية ما يستحق العناء أو الشجب أو التنديد في إجرام لا يقل بشاعة وإثما عن أفعال الحلف الإجرامي اليهودي الصليبي، وهو ذات التوجه الذي تسير عليه حكومة المملكة المغربية، والحكومة التونسية والجزائر وموريتانيا وليبيا والسودان وسوريا والعراق ومنظومة دول الخليج باستثناء بعض المواقف الحكومية والشعبية المشرفة.
إنها متوالية من الخذلان نتيجة التآمر والخيانة والعمالة، أثمرت تأسيس الكيان الصهيوني ورافقت قيادته وتوسعته ومازالت تحوطه وترعاه وتحميه وكلما سقط أو أسقط منها كيان جاء آخر أشد عداوة وإجراما وظلما وطغيانا.
نشروا الخراب والدمار في الأخلاق والسياسة والاقتصاد والاجتماع وكل مناحي الحياة وكان أبرز النتائج ما نشاهده من إجرام على أرض فلسطين الذي يعتبر نتاجا طبيعيا لتلك الخيانة والعمالة والإجرام والطغيان ولو اندثر اليهود من أرض فلسطين وأتيح المجال أمامهم لممارسة نفوذها على أهلها لتماثلت أفعالهم سواء بسواء “إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا”، وهم كما قال الله تعالى ” أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ”، فهم أخوة في الإجرام والظلم والطغيان.
المصدر: الثورة نت