الأخبار العالمية

أردوغان والدولة المحورية

شكلت الانتخابات التركية محطة فاصلة ينتظرها العالم لما لها من وقع وتأثير على الغرب والاقليم وتركيا.

العالم – مقالات وتحليلات

وبرغم مساعي الاعلام الغربي وبخاصة الصحف الفرنسية والالمانية والامريكية وغيرها في الاستهداف والتعدي على شخص رجب طيب اردوغان وشيطنتها، وسعي مجلة ذا ايكونوميست البريطانية التدخل في مسار سباق الانتخابات التركية، غير ان جميع تلك المحاولات باءت بالفشل لعدة اعتبارات متعلقة بديناميكية وشخصية اردوغان الذي احترف واتقن التلاعب على كافة التناقضات والعلاقات الاستراتيجية التي تخدم القومية والدولة التركية بهدف جعلها دولة محورية.

والسؤال الملح الذي يثار حالياً : هل الانتخابات التركية سوف تشهد تغييرا ام استمرارية لنفس السياسات المعتمدة؟

لا شك، أن اردوغان هو من سوف يفوز في الانتخابات التركية لاعتبارات خاصة بتعامله مع الاحداث والكوارث الانسانية التي اصابت تركيا جراء زلزال كرمان وغيرها، ودعم ومساعدة الرئيس رجب طيب اردوغان للمنكوبين والمتضررين، فضلا أنه استطاع ان يخلق ديناميكية متحركة وبراغماتيكية في علاقته مع حلفائه وخصومه، كان لها تداعيات مهمة على الاقتصاد والتجارة والصناعة والامن والدفاع.

حيث يصف الكاتب بيرتراند بادي في مجلة ديبلوماتي الفرنسية، بأن سياسة اردوغان تعتمد لعبة التواطؤ المتقلبة بحسب تعبيره. فقد نجح اردوغان في التعامل مع ملفاته الداخلية والخارجية بشكل ماهر، انقذ فيها تركيا من ازمتها الإقتصادية الداخلية واستثمر الحرب الروسية –الاوكرانية لمصلحته من خلال العمل على دعم المقاومة الاوكرانية.

وبنفس الوقت كان يعارض العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا لكسب رضا الطرفين من خلال ابتكاره سياسة دبلوماسية ذكية نجحت في حشد اصوات انتخابية ملفتة في الانتخابات التركية في جولتها الاولى والثانية بالرغم من مساعي وجهود الغرب الحثيثة للانقلاب عليه عبر دعم المعارضة التركية بقيادة زعيم حزب الشعب كمال كيلجدار اوغلو الذي عبر مراراً عن توجهاته الغربية.

فقد تعهد بإغلاق نظام الدفاع الجوي اس-400، واتخاذ موقف مؤيد للغرب في العلاقات مع روسيا والامتثال لمطالب الناتو وتطوير سياسة مختلفة تجاه مسلحي “بي كي كي” في الشمال السوري، وكل هذا يناسب المصلحة الغربية تماما.

والحقيقة أن القوى الغربية لا تهتم بالمصلحة التركية ما اذا كان ذلك يحقق الانتقال الديمقراطي المزعوم او الاصلاح على مستوى المؤسسات والبرلمان التركي والرئاسي وغير ذلك من التنكيل في الاتهامات التي وجهها الاعلام الغربي لحكومة اردوغان بوصفها بالفاشية الاسلامية والحاكم المستبد.

إن هذه الموجة العارمة عالميا لمناهضة الاستبداد فشلت في تحقيق مشروع ديمقراطي عربي، عبرت عنه سياسات الدمقرطة وحقوق الانسان التي اثبتت التجارب من خلالها ان المعارضة والدعوات الى التحرر كانت مجرد مشروع تخريبي لتدمير العالم الاسلامي من افغانستان الى العراق الى سوريا، وصولا الى تركيا والمحصلة كانت أن قادة العرب اختبروا هذا الامر بوضوح وعبروا عن تلك التجربة بدعوة بشار الاسد الى القمة العربية ومحاولة وفتح علاقات جديدة من الانفتاح والتقدم والانكفاء نحو الداخل بهدف تحسين نظمهم الاقتصادية وعلاقاتهم مع الخارج بعد أن كانت كل من ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب وجو بايدن لا تبدي اي اهتمام بمصلحة تلك الدول وقد عبرت عن ذلك تصريحات محمد بن سلمان على ضوء زيارة بايدن للرياض على ضوء قمة جدة المناطة بالتعاون المشترك .

من هنا، نفهم قلق الغرب من شخصية اردوغان، فهم يدركون تماماً أن هذه المساعي والوسائل المعتمدة من قبل الغرب بهدف الإنقلاب على اردوغان، لن تفلح في مخططها في تعريض أمن البلاد للخطر والفوضى، كما هو الحال في السودان والعراق ولبنان ذلك أن تقويض القتال ضد المنظمات الارهابية كتنظيم بي كي كي وجماعة غولن، الذي يتم توظيفه من قبل الغرب الداخل التركي لاستهداف الاكراد وتوتير العلاقات التركية –التركية اكثر، كما حصل في السويد بهدف الضغط على اردوغان، وليس تحقيق العدالة وتقرير المصير فلو همهم الشاغل تقرير المصير لتقرر مصير الشعب الفلسطيني منذ عدة عقود.

وبحسب صحيفة الصباح التركية التي عنونت :”فقاعات بايدن وأكاذيبه على وشك الانفجار”، يقول الكاتب في الصحيفة حقي أوجال المتخصص في الشأن التركي منتقدا سياسة بايدن موضحا بذلك أن اردوغان طرد الاكراد في تركيا من العملية السياسية لانهم كانوا مجرد ادوات توظيفية بيد الولايات المتحدة لتأمين مصالحها لا اكثر ، مؤكدا ان حكومة كردستان العراق والمجلس الوطني الكردي في سوريا مع هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي في سوريا، يتفقون مع تركيا على اهمية وحدة اراضي العراق وسوريا للاكراد والعرب على حد سواء، ويضيف الكاتب ان تركيا هي الضامن الرئيس لها.

ويشير الكاتب في السياق نفسه ان تورغوت اوزال، هو كردي الاصل والرئيس الثامن لتركيا من عام 1989 إلى 1993، سمح بتدريس اللغة الكردية رسميا والتحدث بها في المكاتب الحكومية في البلاد. وعلاوة على ذلك انشأت هيئة الاذاعة تلفزيونية كردية يومية وبالرغم من تهديدات كي كي الارهابي، ازدهرت السياسات المحلية في المناطق الكردية في تركيا، فضلا عن تزايد عدد الاكراد الذين يدرسون هناك حوالي 17000 طالب موزعين في خمسة ولايات.

وبالتالي، إن خوف وقلق الغرب اليوم، ياتي بفعل الهاجس الذي يراودهم بشأن من يفوز في الانتخابات التركية، هو من سوف يحسم مصلحة الغرب في شرق البحر المتوسط وبحر ايجه وسوريا وليبيا وأفريقيا ، والتي قد تهدّد مصالحهم وحساباتهم الجيوسياسية .

بالختام ، أنا أرى أن تركيا بقيادة اردوغان سوف تكون صاعدة لان المصلحة والتجربة الوطنية تقتضي التعامل مع هذه الملفات بشكل براغماتي تحقق المصلحة والسيادة الوطنية اكثر منه النظر في مفاهيم مصطنعة مثل المشروع الديمقراطي المزعوم أو معارضة ذات ولاءات خارجية تحمل اجندات فوضوية تعزز التدخلات الخارجية في تركيا.

كما أن تركيا اليوم بقيادة اردوغان تعمل على تطوير منظومتها الدفاعية والامنية باعتمادها طائرات بايرختار ت ب 2، وتم تزويدها الى اوكرانيا في حربها مع روسيا.

إن هذه العقيدة المحورية التي ينتهجها اليوم اردوغان في علاقته مع الغرب ومنافسيه سوف تجعله اكثر تشدداً في مواقفه ومنتفتحاً في آن واحد على كثير من المستجدات والتحولات المرتبطة بدور تركيا في النظام العالمي الجديد ذات تعددية الاقطاب عبر تعزيز السياسة الدبلوماسية التي اسهمت بتصفير مشاكله مع الجوار وتحسين أزمته الإقتصادية .

بقلم : أورنيلا سكر : صحافية متخصصة في العلاقات الدولية والدراسات الاستشراقية ومديرة موقع أجيال قرن ال٢١

المصدر : قناة العالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock