الأخبار العالمية

المغرب..”العدل والإحسان” واليسار .. تقارب رغم تباين الأيديولوجيا

أعادت الوقفات الاحتجاجية التي شهدها المغرب، أخيراً، ضد غلاء المعيشة والتطبيع مع الإحتلال، تسليط الضوء على العلاقة التي تجمع بين جماعة “العدل والإحسان”، أكبر تنظيم إسلامي في المغرب غير مرخص له بالعمل السياسي، وحزب “النهج الديمقراطي” (يساري جذري)، من بوابة العمل المشترك في عدد من الهيئات والمنظمات والجمعيات.

العالم – مقالات وتحليلات

وفي حين أن التنسيق والتعاون بين جماعة “العدل والإحسان” و”النهج الديمقراطي” بخصوص التحركات في الشارع، يكشف عن استمرار الجماعة في سياسة الانفتاح على الحزب اليساري على الرغم مما لاقته من صد من جهات يسارية أخرى، فإن السؤال الذي يثار هو إلى أي حد يمكن أن يصمد التقارب بين الطرفين في ظل وجود خلافات بنيوية بين التيارين الإسلامي واليساري في المغرب لا يمكن تجاوزها بمجرد تطابق وتشابه الأهداف والغايات؟

انفتاح وخلافات بين “العدل والإحسان” واليسار المغربي

على امتداد أكثر من عقد من الزمن، اختارت الجماعة، التي اتخذت لنفسها مساراً مختلفاً عن باقي الحركات الإسلامية لغلبة التوجه الصوفي عليها وتبنيها خطاً سياسياً معارضاً رافضاً للعنف، نهج سياسة الانفتاح على منظمات يسارية وعلمانية داخل المجتمع المغربي، في محاولة منها لفك العزلة السياسية التي نجحت السلطات المغربية في فرضها عليها.

وشكلت احتجاجات “حركة 20 فبراير”، النسخة المغربية من الثورة العربية، التي اندلعت في العام 2011، مناسبة لتحقيق الانفتاح والتقارب بين الجماعة ومكونات اليسار الراديكالي، وتجاوز مطب التنافر والصراع جراء الأحكام الأيديولوجية المسبقة والعداء.

ولكن على الرغم مما بدا أنه تحالف موضوعي بين الطرفين في بداية احتجاجات “20 فبراير”، إلا أنه سرعان ما تسلل الخلاف إلى صفوف هذا التحالف، بعد أن طفت على السطح خلافات مبدئية جوهرية بين تيارين بسقف مطالب مختلفة، بل متناقضة، وهو الخلاف الذي انتهى بإعلان قيادة “العدل والإحسان” انسحابها من الحراك.

وبينما شكل قرار الجماعة بدايةً لتراجع “حركة 20 فبراير” وخفوت الاحتجاجات وانحسارها في الشارع المغربي، شكلت الاحتجاجات التي عاشها المغرب بعد ذلك، مناسبة لعودة الجدل داخل اليسار المغربي المعارض بشأن طبيعة العلاقة المفترض أن تقوم مع التنظيم الإسلامي.

وتوزع الجدل، حينها، بين فريق يرى أن الظروف غير ناضجة لعقد أي تحالف مع “العدل والإحسان” وباقي القوى الأصولية، جراء الخلافات السياسية والأيديولوجية العميقة وطبيعة المشروع الذي تحلم تلك القوى بتحقيقه في البلاد.

وهذا الموقف عبرت عنه بوضوح قيادة “فيدرالية اليسار الديمقراطي” (تحالف كان يضم الحزب الاشتراكي الموحد، المؤتمر الوطني الاتحادي، الطليعة الديمقراطي الاشتراكي) في 23 مارس/آذار 2014، بإعلان فك الارتباط بجماعة “العدل والإحسان” من باب “رفض التنسيق أو التحالف مع كل اتجاه معاد للديمقراطية”، ودعوة المنتمين إليها إلى عدم التنسيق أو الجلوس مع الجماعة، واصفة إياها بـ”عدوة الحرية”.

تقارب “العدل والإحسان” و”النهج الديمقراطي”

على النقيض من ذلك، حقق “النهج الديمقراطي”، الذي أسسه بعض كبار قادة اليسار الماركسي اللينيني في سبعينيات القرن الماضي (حركة إلى الأمام)، تقارباً ملفتاً في الرؤى السياسية مع جماعة “العدل والإحسان”.

وعلى الرغم من التباين الكبير بين التصورين السياسيين والأيديولوجيين، إلا أن عوامل عدة ساهمت في تقاربهما، من أبرزها اشتراكهما في الاصطفاف في معارضة الخيارات الرسمية للنظام السياسي، وتقاطعهما في قراءة الوضع السياسي وتشخيص طبيعة بنية النظام، وكذلك رفضهما التام للمشاركة في كل الاستحقاقات الانتخابية.

هذا فضلاً عن التقاء الطرفين في عدد من الوسائل والغايات من أبرزها، إحداث “جبهة ديمقراطية تجمع كل القوى المؤمنة بالديمقراطية”، بتعبير اليساريين، و”ميثاق موحد لجميع الأطياف”، بتعبير الجماعة.

في ظل هذا الواقع، بدا “النهج الديمقراطي” مقارنةً بباقي مكونات اليسار المعارض، أكثر انفتاحاً على التنظيم الإسلامي الذي يمتلك مقومات تنظيمية ولوجستية مهمة، ولم يمنع اختلافهما من حيث الأيديولوجيا والمرجعية الفكرية، من التوافق، على الأقل على أرضية “محاربة الفساد والاستبداد وإرساء العدالة الاجتماعية”.

مساعي “العدل والإحسان” للتعاون مع اليسار

وبينما يدافع حزب “النهج الديمقراطي” بحماس عن علاقته بالجماعة على الرغم من كل الانتقادات الموجهة إليه من قبل عدة أطراف سياسية بكونه يسعى من خلال هذه العلاقة لفك العزلة عن الجماعة، يلفت عضو الأمانة للعامة للدائرة السياسية لـ”العدل والإحسان”، حسن بناجح، إلى أن ما يجمع الأخيرة و”النهج الديمقراطي” هو “ما تسعى إليه الجماعة في علاقتها مع مختلف مكونات المشهد السياسي والاجتماعي المغربي”.

ويوضح بناجح في حديث مع “العربي الجديد”، أن ما تسعى إليه الجماعة هو “علاقة تعاون تقدّر الأخيرة أنها ممكنة ليست فقط مع التيارات المتقاربة والمتجانسة فكرياً، بل هي كذلك مع المختلفين على مستوى المرجعيات، على اعتبار أن التعاون في حد أدنى ممكن ومعقول في كثير من القضايا المشتركة التي يمكن أن تشكل أرضية تجتمع حولها مختلف مكونات المجتمع على المستوى السياسي والاجتماعي والمعيشي وقضايا الأمة”.

ويشير بناجح إلى أن مقترحات الجماعة ومسيرة سنوات من الإلحاح على الحوار المجتمعي و”الميثاق الوطني” (وثيقة تأسيسية طرحتها الجماعة في 1994 يتم على أساسها إعادة تركيب المجتمع من خلال تحديد المعالم الكبرى لمستقبل الأمة) “تعلي وتعطي الأولوية للتعاون في القضايا السياسية والاجتماعية والمعيشية وقضايا الأمة”.

ويعتبر أنه “من خلال الحوار، يمكن أن يتم التوصل إلى مشترك لتعاون الجميع، وإيجاد حدود وشروط للعمل المشترك”.

ويرى القيادي في “العدل والإحسان” أنه “في ظل الواقع الحالي، ووجود بنية الاستبداد ونهج سياسة فرّق تسد، وغياب أدنى شروط العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن إعطاء الأولوية للخلافات الأيديولوجية يشكل عاملاً لإثارة الصراع والفرقة والفتنة، باعتبار أنه لا توجد بنية سياسية يمكن أن تشكل بيئة توفر التعايش بين مختلف مكونات المجتمع”.

ويضيف: “دائماً نلحّ على أن القضايا الأيديولوجية يمكن أن تتم معالجتها من خلال الحوار، وتوفير شروط بيئة سياسية بعيدة عن الاستبداد وكفيلة بأن تشكل فضاءً للتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الأيديولوجية، وهو ما نسعى إليه في الأفق”.

ويشير بناجح إلى أن “التجربة أثبتت، على الأقل منذ حراك 2011 إلى حد الآن، إمكانية الالتقاء الموضوعي في الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بمجال عيش المجتمع ومواجهة الفساد والاستبداد، وفي قضايا الأمة والقضايا الحقوقية، وأن المجال واسع للعمل المشترك في علاقة الجماعة بحزب النهج الديمقراطي ومختلف مكونات المجتمع المغربي والعديد من الشخصيات”.

ويعتبر المتحدث نفسه أن “العمل المشترك يشكل على المستوى الاستراتيجي، أفقاً فسيحاً وبالغ الأهمية لبناء الثقة المتبادلة وتبديد الكثير من الأحكام المسبقة بين كل أطراف المجتمع”.

ويؤكد أن “الثقة هي عنصر أساسي كفيل بأن يشكل أرضية للحوار وللتنازلات المتبادلة، ولترتيب القضايا ذات الأولوية وتلك التي يمكن تأجيلها، أو ترتيب حوار بشأنها على المدى القصير أو المتوسط من أجل إيجاد حلول لكل القضايا التي تبدو خلافية”.

ويتابع بناجح “كما أن تمحيص الواقع والوعي المشترك بالعوامل الأخرى التي تشتغل بالموازاة من أجل الإرباك، خاصة سياسة التفريق، كفيل بأن يحصن الحوار المجتمعي من كل ما يمكن أن يفسده”.

أما الباحث في العلوم السياسية هشام عميري، فيرى أنه على الرغم من اختلاف الفكر الأيديولوجي لكل من “العدل والإحسان” و”النهج الديمقراطي”، إلا أن “هناك روابط مشتركة لن تدفعهما إلى عزل بعضهما البعض، إذ تجمعهما جبهة نضالية مشتركة، كما أن كل طرف يرى في الآخر بأنه الطرف القوي والمساند له في الشارع”.

ويشير عميري في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “انقطاع التنسيق بينهما لا يمكن تصوره إلا في حال اندماج أحدهما في الحياة السياسية وقبوله المشاركة فيها، وهو ما سجل عند وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة، إذ أقدمت الجماعة على فك ارتباطها به بعدما كانت مساندة له”.

العربي الجديد

المصدر : قناة العالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock