أزمة أمريكا في الخليج
احتجاز السفينة غريس الايرانية في جبل طارق ينذر بطول الازمة التي افتعلها ترامب وهي رسالة تحمل الكثير من المعاني للإيرانيين.
امريكا قليلة الصبر وليس من ثقافة الامريكيين الصبر مقارنة بالانكليز، وقد استثمر الايرانيون ملكة الصبر (الذين يتميزون بطول الصبر او بعدم احترامهم للوقت) في مفاوضات 5+1 ليحققوا اتفاقاً اعتبروه نصراً لهم بتحقيق انفراجاً كبيراً لحصار طويل ابتدأ منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979.
الخصومة الإقليمية مع إيران هو تنافس وصراع مصالح اقليمية ترفض ايران الاحتكام اليه والقبول بقواعده وآلياته والتي تحاول تغيير معادلته لتأخذ منه حصتها التي لا يُحدها مدى صواريخها الباليستية بل ايديولوجيتها الدينية والقومية التي نجحت في استثمارها في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، لكن النتائج لم تكن كما كان مخططاً لها وحدثت فيها انتكاسات مشهودة في السودان والجزائر.
ما يميز الازمة الحالية هو صمود الموقف الايراني الذي يحتكم لديناميكية المنطق والحق على عكس منطق ترامب الذي نقض عهداً التزمت به كل مستويات الحكم في امريكا وكسر كل قواعد التعامل واستخدم مفردات غير لائقة في تغريداته ولم يحظ بأي قيمة اخلاقية في تعامله مع المرأة والإعلام والأقليات والمهاجرين والحلفاء الاورپيين غير حلب مليارات سائبة بيد بعض مراهقي السياسة.
الحصار الذي يفرضه ترامب على صادرات النفط وتضييق الخناق عليه تشتد حلقاته لكن ايران التي تعايشت وخبرت الحصارات المتوالية فانها انشأت قنوات لتسويق وبيع نفطها بذكاء وتكتنز ما لا يقل عن (100) مليار دولار في صندوقها السيادي لاحتمالات الوضع الاسوأ ونقطة الانكسار في اقتصادها عندما ينخفض تصدير النفط عن مليون برميل وهو لم يصل بعد لهذا الحد.
تطويل الازمة هو هدف استراتيجي لترامب لانها ورقة انتخابية يمكن استثمارها ان لم تنجح خطة ترامب بتركيع ايران وجلبها لطاولة المفاوضات التي يروج ويدعو لها ترامب مع كل تصعيد وتحشيد عسكري، ووصل الأمر به للرغبة في ضربة تأديبية يحلم بها لاستخدامها في تغريداته وخطاباته المتواصلة، وقد كان الرد الايراني صاعقاً لهذا الحلم بأن اي ضربة عسكرية هي ايذان ببدأ الحرب التي ستحرق بيوت الزجاج المواجهة للسواحل الايرانية حيث تغيرت فيها لغة الخطاب لتضيع معه مسؤولية تفجيرات ناقلات الفجيرة وتصبح الأدلة غير كافية لاتهام ايران وقيدت الجريمة ضد مجهول.
ترامب وادارته المترددة في التعامل مع المناورات السياسية الايرانية تبدو وكأنها في موقف الدفاع وليس ضبطاً للنفس فالإدعاء بأن الامتناع عن الرد لاسقاط الطائرة غلوبال هو لحماية 135 شخصاً هو ادعاء يصعب تصديقه من ادارة يرأسها مقاول ورجل اعمال ولا اهمية في قاموسه السياسي لهكذا قواعد أو أخلاق، والاكثر ترجيحاً ان الامتناع كان الخشيه منه الرد الايراني المتحفز لضرب حلفاء الولايات المتحدة الامريكية في الخليج والتي سمحت للطائرة بالاقلاع من أراضيها.
ايران بمناوراتها الذكية تناور في ساحات حرجة جداً وخطيرة وتتمدد في هذه الساحات على مناطق نفوذ تكاد تكون مغلقة لغيرها. مناوراتها الاخرى هي تقليل وتخفيض الالتزام بالاتفاق النووي وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لدرجة جعلت الاوربيين يصرخون بضرورة الالتزام بالاتفاق النووي الذي تستفيد ايران من هذا الصراخ لأنه يشمل بدرجة اكبر خطوة ترامب بالخروج من الاتفاق.
الآن اختبار الذكاء الإيراني هو توقيت الجلوس على الطاولة بين ضغط وخناق الحصار وطلب الوساطات المتعدد من أطراف اورپية واقليمية وروسية ووضع المطالب والملفات الإقليمية وحدود الدور الايراني فيها وصياغة معادلات يالطا الجديدة وليس بالضرورة تكون حسابات الإيرانيين دائما صحيحة أو تحقق أهداف الإيرانيين.
المصدر : مجلة العص – علي القريشي