صفقة القرن.. من الولادة الى الاحتضار
يشهد العالم العربي انقلابًا على الثوابت الإسلامية والقومية، وانضمام قيادات الدول الرئيسية في المنطقة للرئيس الأمريكي في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية المعروفة باسم “صفقة القرن”. وكان أول من تحدث عن “صفقة القرن” هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته للولايات المتحدة في لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أبريل/نيسان 2017.
أطلق مصطلح “صفقة القرن” على الخطة التي وضعها الجنرال جيورا أيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الذي صدرت الدراسة الأولى عن معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى في سبتمبر 2008 بعنوان “إعادة التفكير في حل الدولتين”. أما الدراسة الثانية فصدرت عن مركز بيجن – السادات للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة بار إيلان الإسرائيلية في عام 2010 بعنوان “بدائل إقليمية لحل الدولتين”.
“صفقة القرن” هي تكرار لمخططات قديمة جديدة لتغيير خارطة المنطقة برمتها: جغرافياً وسياسياً واقتصادياً.
محور الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة هو الزج بالدول العربية الكبرى في التسوية وتحميلها أعباء الحل.
يؤكد جيورا أيلاند فشل الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية القائمة على حل الدولتين، واستحالة الوصول إلى تسوية للصراع وفقاً للتصورات السابقة، ويرى أن الحل لن يكون إلا بإدخال الدول العربية كضامن وشريك مستفيد من التسوية.
ورغم محاولات البعض التشكيك بوجود “صفقة القرن” من الأساس، وأن الحديث هو اختراع فكري من أصحاب نظرية المؤامرة، أو “خرافة” كما وصفتها نيرفانا محمود في مقال لها على موقع قناة “الحرة”، أو “أكذوبة” كما أطلق عليها محمد دحلان في تصريحات له. إلا أن الوقائع على الأرض تشير بما لا يدع مجالاً للشك الى أن هناك “طبخة” تطبخ تحت أي مسمى كان، وهو ما أكدته تصريحات نيكي هالي مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن وقبيل أيام من مغادرتها منصبها حذرت الفلسطينيين والدول العربية والمجتمع الدولي من مغبة رفض خطة (ترامب لـ”السلام” بين “إسرائيل” والفلسطينيين.
في مقدمة الدراسة التي أصدرها معهد واشنطن، يقول روبرت ساتلوف المدير التنفيذي للمعهد أن المطبخ السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية كان يعتمد في السابق على رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” زئيف شيف الذي كان يوصف بأنه عميد الاستراتيجيين الإسرائيليين ليشرح لهم الرؤية الإسرائيلية والحد الأدنى من متطلبات “إسرائيل” الأمنية في المفاوضات مع الفلسطينيين. وبعد وفاته في يونيو 2007 بدأوا يعتمدون على جيورا أيلاند باعتباره كبير الاستراتيجيين الإسرائيليين.
تؤكد رؤية جيورا أيلاند فشل حل الدولتين الذي طرحه كلنتون عام 2000 وأعاد طرحه جورج بوش وتمسك به باراك أوباما، وعدم إمكانية الوصول إلى حل نهائي لتغيير العوامل التي ساعدت على إبرام اتفاقيات أوسلو عام 1993 فالظروف لم تعد مواتية للتسوية، والقيادة الإسرائيلية اليمينية غير مستعدة للقبول بما كان مطروحا في السابق، والقيادة الفلسطينية الحالية تفتقر إلى ما كان يتمتع به ياسر عرفات ولا تستطيع السيطرة على الفصائل المتشددة من فتح.
محور الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة هو الزج بالدول العربية الكبرى في التسوية وتحميلها أعباء الحل وإفلات “إسرائيل” من المسؤولية أمام دول العالم، وتغيير نهج التفاوض بالانتقال من التسوية الثنائية إلى الحل متعدد الأطراف.
كانت المفاوضات في الماضي تتم على أسس سياسية واستراتيجية، فالمقبول لكسب المجتمع الدولي إدخال العامل الاقتصادي لجلب عدد أكبر من الأطراف حيث تؤدي هذه المشاركة إلى ضمانات أقوى في التنفيذ والتمسك بالاتفاق، حتى أن ممثلاً هاماً في الإدارة الأميركية عندما عرضت عليه الخطة الإسرائيلية قال لهم: “انتظروا خليفة مبارك”.
تعتبر دراسة أيلاند التي طبعت في 2010 هي الطبعة الأخيرة المعلنة بعد إدخال تعديلات طفيفة
مضمون “صفقة القرن”
تعتبر دراسة أيلاند التي طبعت في 2010 هي الطبعة الأخيرة المعلنة بعد إدخال تعديلات طفيفة متعلقة بالمساحة المطلوب تبادلها مع مصر بزيادتها من 600 كم إلى 720 كم وحذف بنود من الوثيقة السابقة أهمها رفع اسم السعودية من موضوع تبادل الأراضي مع الأردن، ويبدو هذا لحساسية العلاقة التاريخية بين الأسرتين الحاكمتين في الرياض وعمان.
خسائر مصر من صفقة القرن
1- هدم بوابة سيناء الاستراتيجية
2- إخلاء سيناء من العنصر البشري
3- تدويل سيناء وخروج مصر منها
أما هدف الصفقة فهو دمج “إسرائيل” الكامل بالمنطقة واعتبارها شريكاً استراتيجياً وحليفاً في مواجهة خطر إيران.
ما كان لإدارة ترمب أن تتجرأ وتطرح مبادرات أو صفقات تنهي القضية الفلسطينية، وتتخذ خطوات كنقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” للقدس واعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل” لولا المشاركة العربية المباشرة في هذه الصفقة، المشاركة التي تصل حد التواطؤ. أما نظام السيسي فهو جزء لا يتجزأ من مشروع تمرير الصفقة.
دور السعودية في صفقة القرن
1- شراء جزيرتي تيران وصنافير لتدويل مضيق تيران
2- اتفاقية المنطقة الحرة بشمال سيناء
3- مشروع “نيوم” وإزاحة مصر من خليج العقبة
تلعب السعودية دوراً محورياً في صفقة القرن، بما يتوافق مع التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، وكانت بداية الانخراط السعودي العلني من خلال المبادرة العربية المنسوبة للملك عبد الله، والتي تمثل نقلة في ملف الصراع بدخول العرب كضامنين للاتفاق النهائي.
تلعب السعودية دوراً محورياً في صفقة القرن بما يتوافق مع التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي.
ودخلت المملكة كممول لصفقة القرن عقب تولي سلمان بن عبد العزيز، حيث استغل الإسرائيليون طموح محمد بن سلمان ورغبته في الصعود لكرسي الحكم في ظل أبيه، وانتهزوا فرصة احتياجه إلى الدعم الخارجي لتحقيق ما خططوا له منذ نصف قرن.
كان قرار بيع جزيرتي تيران وصنافير للمملكة هو أخطر ما تم التوصل إليه من إجراءات لصالح الكيان الصهيوني منذ احتلال فلسطين في 1948، فبيع الجزيرتين يؤدي إلى تدويل مضيق تيران وإنهاء السيطرة المصرية عليه، وهو الذي كان سبباً في حروب مصر مع الإسرائيليين.
وبنظرة للواقع المحلي والإقليمي والخارجي نجد أن المتورطين في صفقة القرن أضعف من أن يكملوا الشوط حتى نهايته، وربما لن يسعفهم الوقت لإنجاز الخطة الإسرائيلية الموضوعة بسبب حجم المهام المطلوبة، التي تحتاج إلى سنوات طويلة، وخزائن متخمة بالأموال، وأنظمة حكم قوية ومستقرة، وهذا غير متوفر في الوقت الحالي.
خلاصة
ظهور صفقة القرن بهذه القوة ليس لأن الصفقة مقنعة، وإنما لتبني نظامي السيسي وابن سلمان لها وقبولهما بأن ينفذا الأجندة الإسرائيلية لأسباب تتعلق بمشروعيتهما، واستقرار الحكم لهما، والسعي وراء الدعم الدولي لمواجهة تعاظم المعارضة الداخلية.
وهذا الاندفاع وراء الرئيس الأمريكي والاستسلام للهيمنة الإسرائيلية بقدر ما يخفف الضغط الخارجي وشراء الصمت العالمي لبعض الوقت فإن الانحياز للجانب الإسرائيلي والمشاركة في خطة التآمر على القضية الفلسطينية أفقدهما المشروعية الشعبية وجعلهما تحت الحصار.
إن السيناريوهات التي تطرحها “صفقة القرن” ليست حلولاً، كما أن الإغراءات التي تقدمها “إسرائيل” لن يتحقق منها شيء لصالح مصر والسعودية، بل هي “انتحار” لكلا الدولتين.
المصدر : صفقة العصر – سهيلة فرحات