الأخبار العربية

الحكومة البحرينية امام فرصة لإنهاء الازمة مع المعارضة

أصدرت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة في البحرین، السبت، بیانا اکدت فیه أن الأولوية اليوم في البحرين هي لمواجهة وباء كورونا ورص الصفوف وتوجيه الجهود باتجاه مواجهة الوباء الذي اجتاح العالم وحصد أرواح مئات الآلاف وعطل معظم مقومات الحياة.

قبل کل شيء لابد من القول أن تغاضي المعارضة البحرينية عن آلامها والجراح التي أحدثها النظام البحريني بها جراء التنكيل والقمع والظلم، وربما تجميد نشاطها السياسي المعارض (بشكل مؤقت)؛ انما يعود الى علو شأن هذه المعارضة، والى مدى ادراكها وشعورها بالمسؤولية، وطالما أثبتت المعارضة البحرينية وعيها الكبير بالمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقها وترفعت عن مصالحها الشخصية لتقدم مصلحة الوطن فوق كل شيء، وعلى الرغم من التعامل القاسي والوحشي للحكومة الا انها لم تواجه سياسة القمع والاضطهاد والزج بالسجون وتعذيب المعتقلين وقتل المتظاهرين واعدام المعارضين، وعموم التصعيد الذي انتهجته السلطات الحاكمة برد فعل مشابه.

فطالما دعت الى الخيار السلمي والنشاط السياسي والتحرك الشعبي، لأنها تؤمن أن استخدام العنف والقوة ضد أبناء الشعب مهما كان انتمائهم ومهما كانت توجهاتهم هو اسلوب الضعفاء، كما انه لا يتطابق مع الأسس العصرية في ادارة البلدان، التي تفوض الشعوب الحق الكامل في اختيار من يمثلها ويحكمها، واذا كنا اليوم نشاهد أن البحرين لم تتحول الى بلد يعاني زعزعة الاستقرار فالفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى الى المعارضة البحرينية التي لم ترد على العنف الذي تستخدمه السلطة بعنف مشابه، وكان بامكانها اللجوء الى هذا الخيار، بل كان بامكانها اعلان العصيان المدني والتوجه الى المؤسسات الحكومية والسيطرة عليها الواحدة تلو الأخرى واعتقال مسؤولي النظام، خاصة وأن الأيام الأولى لانطلاق الثورة البحرينية شهدت مسيرات جماهيرية حاشدة، كان يكفي توجيه المعارضة لهذه المسيرات الى المباني الحكومية، عندها كان ينهار كل شيء وتسقط الحكومة والنظام، غير أن المعارضة فضلت الخيار السلمي والديموقراطي في ادارة البلاد على الأسلوب الهمجي.

من هنا لا ينبغي على السلطات الحاكمة في البحرين أن تفسر دعوة المعارضة تفسيرا خاطئا وتعتبر أن مبادرتها نابعة من ضعفها أو تراجعها، بل عليها التخلي عن العنجهية والغطرسة والكبرياء وترضخ للأمر الواقع، وتسأل نفسها هل اللجوء للخيار الأمني واستخدام العنف ومطاردة المعارضة وحملات الاعتقال والتعذيب الوحشي في السجون والتنكيل بذوي المعتقلين وتضييق الخناق على الحريات، وضع حدا للأزمة السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد منذ تسع سنوات؟

ربما تتصور السلطات الحاكمة أنها سيطرت بالكامل على الوضع وتمكنت من اعادة الهدوء والاستقرار، ولكن كل ذلك مجرد وهم، فالمعارضة لا تزال ناشطة وأن الشعب لا يزال يؤمن بخياراته ومتمسك بمطالبه، وأبسط دليل على ذلك هو ما حدث للمسافرين البحرينيين الذين علقوا في ايران وتقطعت بهم السبل في عمان وقطر وفي نهاية المطاف اضطرت الحكومة الى اعادتهم الى البحرين نتيجة التعاطف الشعبي الكبير مع قضيتهم، فلم تكن الحكومة مستعدة بتاتا لاعادتهم ولكن التعاطف الشعبي الكبير وكذلك البرلماني (الى حد ما) أحرج الحكومة واضطرها الى تغيير قرارها، مما يشير الى أن البحرينيين غير راضين عن تصرفات الحكومة.

لو كانت الحكومة صادقة في مزاعمها أن الوضع مستقر، فلم لا تعيد الامور الى ما كانت عليها قبل اندلاع الثورة، فتسمح للأحزاب بحرية النشاط بما في ذلك الحرية الاعلامية وحرية التجمهر والاعتراض وتوجيه الانتقادات، فعدم سماحها دليل على أن الوضع غير مستقر، وأن الشعب غير مقتنع بما يجري.

غير أن الفرصة لا تزال سانحة لعودة الاستقرار الكامل للبحرين وانهاء الأزمة، واذا كان كبرياء السلطة لا يسمح لها بالتقدم بخطوة تجاه المعارضة فهاهي المعارضة تتقدم بخطوة وتعبر عن حسن نيتها، وما على الحكومة الا التقدم بخطوة مماثلة وفي الوهلة الأولى ترحب باشراك المعارضة في جهود التصدي لوباء كورونا، الا أن الأزمة لا تنتهي بهذه الخطوة وانما بخطوات متتالية، وفي مقدمتها اطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح بعودتهم الى ذويهم في هذه الظروف الحرجة، فكل سجين سياسي يمثل جرحا كبيرا لذويه القريبين والبعيدين واطلاق سراحهم يُبرئ الى حد ما هذا الجرح ويعيد الفرحة والسرور لاهالي البحرين، على أن تتوقف السلطات عن مطاردتهم، وترتيب وضعهم خاصة على الصعيد المالي والاقتصادي، ومن المؤكد أن العشرات من العوائل البحرينية تعاني ظروفا اقتصادية صعبة للغاية نتيجة اعتقال أبنائهم.

وبعد اطلاق سراح المعتقلين السياسيين على الحكومة فتح باب الحوار مع احزاب المعارضة والاتفاق على طبيعة ادارة البلاد وآليات المشاركة السياسية وتعيين وقت للانتخابات البرلمانية وانهاء عمل الغرفة الثانية للمجلس النيابي، ووضع آليات لتداول السلطة التنفيذية ومراقبة البرلمان لأدائها.

ربما لا تتكرر هذه المبادرة وبذلك تضيع السلطة فرصة ذهبية لانهاء المأساة والمعاناة التي استمرت لعدة سنوات، ولاشك أن ذلك يتطلب تنازلا من الحكومة، ولكن اذا كانت منطلقات الحكومة المصلحة العامة واستقرار البلد وعودة الهدوء اليه، فلا تعد التنازلات التي تقدمها شيئا كبيرا مقابل هذه المصالح الوطنية.

*صالح القزويني

المصدر : قناة العالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock